اعلم أنه يجب إظهار الفرائض من الصلاة والزكاة لأنها شعائر الإسلام وتاركها مستحق للعن فيجب نفي التهمة بالإظهار.
إنما الإخفاء في النوافل إلا إذا أظهر النوافل ليقتدى به، وعن بعضهم أنه رأى في المسجد رجلاً يسجد للشكر وأطالها، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتكا لكن مع هذا قالوا : لا يترك النوافل حياء ولا يأتى بها رياء، وقلما يتيسر اجتناب الرياء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على المسح الأسود " فإن قيل : ما معنى المراءاة ؟ قلنا هي مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يرى الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به.
واعلم أن قوله :﴿عَن صلاتهم سَاهُونَ﴾ يفيد أمرين : إخراجها عن الوقت، وكون الإنسان غافلاً فيها، قوله :﴿الذين هُمْ يُرَاءونَ﴾ يفيد المراءاة، فظهر أن الصلاة يجب أن تكون خالية عن هذه الأحوال الثلاثة.
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)
ثم لما شرح أمر الصلاة أعقبه بذكر الصلاة فقال :﴿وَيَمْنَعُونَ الماعون﴾ وفيه أقوال : الأول : وهو قول أبي بكر وعلي وابن عباس وابن الحنفية وابن عمر والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك : هو الزكاة، وفي حديث أبي :" من قرأ سورة أَرَأَيْتَ غفر الله له إن كان للزكاة مؤدياً " وذلك يوهم أن الماعون هو الزكاة، ولأن الله تعالى ذكره عقيب الصلاة، فالظاهر أن يكون ذلك هو الزكاة والقول الثاني : وهو قول أكثر المفسرين، أن الماعون اسم لما لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الملح والماء والنار.
فإنه روي :" ثلاثة لا يحل منعها، الماء والنار والملح " ومن ذلك أن يلتمس جارك أن يخبز في تنورك، أو يضع متاعه عندك يوماً أو نصف يوم، وأصحاب هذا القول قالوا : الماعون فاعول من المعن.