وقال القرطبى :
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) ﴾
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين ﴾ أي بالجزاء والحساب في الآخرة ؛ وقد تقدّم في "الفاتحة".
و﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ بإثبات الهمزة الثانية ؛ إذ لا يُقال في أرأيت : رَيْت، ولكن ألف الاستفهام سهلت الهمزة ألفاً ؛ ذكره الزَّجاج.
وفي الكلام حذف ؛ والمعنى : أرأيت الذي يكذب بالدين : أَمُصيب هو أم مُخْطىء.
واختلِف فيمن نزل هذا فيه ؛ فذكر أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في العاص بن وائل السَّهْمِيّ ؛ وقاله الكلبيّ ومقاتل.
وروى الضحاك عنه قال : نزلت في رجل من المنافقين.
وقال السُّدّيّ : نزلت في الوليد بن المغيرة.
وقيل في أبي جهل.
الضحاك : في عمرو بن عائذ.
قال ابن جريج : نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جَزُوراً، فطلب منه يتيم شيئاً، فقَرعه بعصاه ؛ فأنزل الله هذه السورة.
و﴿ يَدُعُّ ﴾ أي يدفع، كما قال :﴿ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ] وقد تقدّم.
وقال الضحاك عن ابن عباس.
﴿ فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم ﴾ أي يدفعه عن حَقّه.
قتادة : يقهره ويظلمه.
والمعنى متقارِب.
وقد تقدّم في سورة "النساء" أنهم كانوا لا يُوَرّثون النساء ولا الصغار، ويقولون : إنما يحوز المال من يَطْعُن بالسنان، ويضرب بالحُسام.
ورُوِي عن النبيّ ﷺ أنه قال :" مَنْ ضمَّ يتيماً من المسلمين حتى يسْتَغْنِي، فقد وجبتْ له الجنة " وقد مضى هذا المعنى في غير موضع.
الثانية : قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين ﴾ أي لا يأمْرُ به، من أجل بخله وتكذيبه بالجزاء.
وهو مِثل قوله تعالى في سورة الحاقة :﴿ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين ﴾ [ الحاقة : ٣٤ ] وقد تقدّم.