قال الزَمَخْشَرِيُّ : فإن قلت : أيّ فرق بين قوله :"عن صلاتِهِم"، وبين قولك : في صلاتهم؟ قلتُ : معنى "عن" أنهم ساهون عنها سهو تركٍ لها وقلةِ التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، أو الفَسَقة الشُّطَّار من المسلمين.
ومعنى "في" أن السهو يعتريهم فيها، بوسوسة شيطان، أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله ﷺ يقع له السهو في صلاته، فضلاً عن غيره ؛ ومِن ثمّ أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.
قال ابن العَرَبيّ : لأن السلامة من السهو محال، وقد سها رسول الله ﷺ في صلاته والصحابة.
وكل من لا يسهو في صلاته، فذلك رجل لا يتدبَّرُها، ولا يعقِل قراءتها، وإنما همه في أعدادها ؛ وهذا رجل يأكل القشور، ويرمِي اللب.
وما كان النبيّ ﷺ يسهو في صلاته إلا لفكرته في أعظم منها ؛ اللهم إلا أنه قد يسهو في صلاته من يقبل على وسواس الشيطان إذا قال له : اذكر كذا، اذكر كذا ؛ لِما لم يكن يذكر، حتى يضِلّ الرجل أن يدري كم صلى.
الرابعة : قوله تعالى :﴿ الذين هُمْ يُرَآءُونَ ﴾ أي يُرِي الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تَقِيَّة ؛ كالفاسق، يري أنه يصلي عبادة وهو يصلي ليقال : إنه يصلي.
وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس.
وأولها تحسين السَّمْت ؛ وهو من أجزاء النبوّة، ويريد بذلك الجاهَ والثناء.
وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشِنة ؛ ليأخذ بذلك هيئة الزهد في الدنيا.
وثالثها : الرياء بالقول، بإظهار التسخط على أهل الدنيا ؛ وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة.
ورابعها : الرياء بإظهار الصلاة والصدقة أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس ؛ وذلك يطول، وهذا دليله ؛ قاله ابن العربي.
قلت : قد تقدم في سورة "النساء وهود وآخر الكهف" القول في الرياء وأحكامه وحقيقته بما فيه كفاية.
والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon