الخامسة : ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة ؛ فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه السلام :" ولا غُمة في فرائض الله "
لأنها أعلام الإسلام، شعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت ؛ فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوّعاً فحقه أن يُخْفَى ؛ لأنه لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً.
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين، فتثني عليه بالصلاح.
وعن بعضهم أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطالها ؛ فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك.
وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة.
وقد مضى هذا المعنى في سورة "البقرة" عند قوله تعالى :"إِن تبدوا الصدقاتِ"، وفي غير موضع.
والحمد لله على ذلك.
السادسة : قوله تعالى :﴿ وَيَمْنَعُونَ الماعون ﴾ فيه اثنا عشر قولاً : الأول : أنه زكاة أموالهم.
كذا روى الضحاك عن ابن عباس.
ورُوِي عن عليّ رضي الله عنه مثل ذلك، وقاله مالك.
والمراد به المنافق يمنعها.
وقد رَوَى أبو بكر بن عبد العزيز عن مالك قال : بلغني أن قول الله تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الذين هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الماعون ﴾ قال : إن المنافق إذا صلَّى صلَّى رياء، وإن فاتته لم يندم عليها، "ويمنعون الماعون" الزكاة التي فرض الله عليهم.
قال زيد بن أسلم : لو خَفِيت لهم الصلاة كما خفيت لهم الزكاة ما صلوا.
القول الثاني : أن "الماعون" المال، بلسان قريش ؛ قاله ابن شهاب وسعيد بن المسيب.
وقول ثالث : أنه اسم جامع لمنافع البيت كالفأس والقدر والنار وما أشبه ذلك ؛ قاله ابن مسعود، وروي عن ابن عباس أيضاً.
قال الأعشى :
بِأَجْودَ مِنهُ بِماعونِهِ...
إِذا ما سَمَاأُهُمْ لَمْ تَغِمِ