وسمِع أنس قوماً يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يَتَمارَوْن في الحوض، لقد تركت عجائز خلفي، ما تصلِّي امرأة منهنّ إلا سألت الله أن يسقِيها من حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي حوضه يقول الشاعر :
يا صاحبَ الحوضِ مَنْ يُدَانيكَا...
وأنتَ حَقًّا حبيبُ بارِيكا
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أُعْطيه رسول الله ﷺ زيادة على حوضه ﷺ تسليماً كثيراً.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ فَصَلِّ ﴾ أي أقم الصلاة المفروضة عليك ؛ كذا رواه الضحاك عن ابن عباس.
وقال قتادة وعطاء وعِكرمة :"فصل لِربك" صلاة العيد يوم النحر.
"وانْحَرْ" نُسُكك.
وقال أنس : كان النبيّ ﷺ ينحر ثم يصلي، فأُمِر أن يُصَلِّي ثم يَنْحَر.
وقال سعيد بن جبير أيضاً : صَلِّ لربك صلاة الصبح المفروضة بَجْمعٍ، وانْحرِ البُدْن بِمنًى.
وقال سعيد بن جبير أيضاً : نزلت في الحُدَيْبِيَةِ حين حُصِر النبيّ ﷺ عن البيت، فأمره الله تعالى أن يُصلِّيَ ويَنْحَر البُدْنَ وينصرف ؛ ففعل ذلك.
قال ابن العربيّ :"أما من قال : إن المراد بقوله تعالى :﴿ فَصَلِّ ﴾ الصلوات الخمس ؛ فلأنها ركن العبادات، وقاعدة الإسلام، وأعظم دعائم الدين.
وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدَلِفة ؛ فلأنها مقرونة بالنحْر، وهو في ذلك اليوم، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرَها ؛ فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحْر".
قلت : وأما من قال إنها صلاة العِيد ؛ فذلك بغير مكة ؛ إذ ليس بمكة صلاة عيدٍ بإجماع، فيما حكاه ابن عمر.
قال ابن العربيّ :"فأما مالك فقال : ما سمعت فيه شيئاً، والذي يقع في نفسي أن المراد بذلك صلاة يوم النحْر، والنحْر بعدها".
وقال عليّ رضي الله عنه ومحمد بن كعب : المعنى ضع اليُمْنَى على اليسرى حِذاء النحْر في الصلاة.


الصفحة التالية
Icon