وقال الإمام : كان المستهزئون من قريش كالعاص بن وائل وعقبة بن أبي معيط وأبي لهب وأمثالهم، إذا رأوا أبناء رسول الله ﷺ يموتون، يقولون : بتر محمد، أي : لم يبق له ذكر في أولاده من بعده، ويعدون ذلك عيباً يلمزونه به وينفرون به الناس من أتباعه، وكانوا إذا رأوا ضعف المسلمين وفقرهم وقلتهم يستخفون بهم ويهونون أمرهم، ويعدّون ذلك مغمزاً في الدين، ويأخذون القلة والضعف دليلاً على أن الدين ليس بحق، ولو كان حقاً لنشأ مع الغنى والقوة شأن السفهاء مع الحق في كل زمان أو مكان غلب فيه الجهل. وكان المنافقون إذا رأوا ما فيه المؤمنون من الشدة والبأساء يمنّون أنفسهم بغلبة إخوانهم القدماء من الجاحدين، وينتظرون السوء بالمسلمين لقلة عددهم وخلوّ أيديهم من المال. وكان الضعفاء من حديثي العهد بالإسلام من المؤمنين، تمُرُ بنفوسهم خواطر السوء عندما تشتد عليهم حلقات الضيق ؛ فأراد الله سبحانه أن يمحص من نفوس هؤلاء، ويبكّت الآخرين، ليؤكد له الوعد بأنه هو الفائز وأن متبعه هو الظافر، وإن عدوه هو الخائب الأبتر الذي يُمحى ذِكره ويعفى أثره.
تنبيه :
لما روي من سبب نزول هذه السورة مما رويناه، ذهب إمام اللغة ابن جنّي إلى تأويل الكوثر بالذرية الكثيرة، وهو معنى بديع فيه مناسبة لسبب النزول.
قال ابن جنّي في " شرح ديوان المتنبي " في قوله يمدح طاهر بن الحسين العلوّي :
~وأبهرُ آيات التهامي أنهُ أبوك وأجْدَى ما لكم من منَاقبِ
وفي جملة ما أملاه عليّ أبو الفضل العروضي : أن قريشاً وأعداء النبي ﷺ كانوا يقولون : إن محمداً أبتر لا عقب له، فإذا مات استرحنا منه ؛ فأنزل الله تعالى :