و قد روى المفسرون «١» أن وائل بن العاص أو عقبة بن معيط قال على أثر وفاة عبد اللّه بن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : إن محمدا أبتر، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه، فأنزل اللّه السورة.
ومضمون الآيات وروحها يلهمان صحة الرواية ويلهمان أن قول الكافر ونعته النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالنعت المؤذي قد أثارا في نفسه أزمة، فأنزل اللّه السورة ترد عليه وتحمل البشرى والتطمين للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالأسلوب القوي الذي جاءت به حيث تقول له إن اللّه قد أعطاه الكوثر ومن أعطي الكوثر فلن يكون أبتر وأن مبغضه المقطوع من رحمة اللّه لهو الحري بهذا النعت وعليه أن يشكر اللّه بالصلاة وذبح القرابين تقربا إليه.
ومما روي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان مستغرقا في النوم فأفاق ضاحكا مستبشرا ثم قال نزلت عليّ هذه السورة «٢». وهذه الرواية لم ترد في كتب الصحاح. وإن صحت ففيها صورة من صور الوحي القرآني. وهناك رواية تذكر أن السورة نزلت يوم الحديبية بسبيل التنويه بما تم للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمين في ذلك اليوم من الفتح وبشرى وأمر بالصلاة ونحر الهدي في الحديبية «٣». وكان إذ ذاك عيد الفطر، ولم ترد هذه الرواية في كتب الصحاح ولا في كتب السيرة القديمة التي روت تفاصيل يوم الحديبية. على أن جمهور الرواة والمفسرين على أن السورة مكية ومن السور المبكرة جدا في النزول.
وقد تعددت الأقوال في معنى الكوثر وفي المقصود من الصلاة والنحر. ففي صدد الكوثر روى البخاري والترمذي عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لمّا عرج بي إلى السماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوّفا فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر». وروى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها سئلت عن قوله تعالى
_________
(١) انظر تفسير السورة في تفسير الطبري والنيسابوري وابن كثير والبغوي والطبرسي والزمخشري فقد رووا ذلك جميعهم.
(٢) الإتقان للسيوطي ج ١ ص ٢٤ وتفسير الآلوسي للسورة.
(٣) الإتقان ج ١ ص ١٥ وتفسير الآلوسي.


الصفحة التالية
Icon