إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر [١] فقالت :«نهرا أعطيه نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم شاطئاه عليه درّ مجوّف آنيته كعدد النجوم». وروى الترمذي وأبو داود عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :
«بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ قلت للملك ما هذا قال هذا الكوثر الذي أعطاكه اللّه ثم ضرب بيده إلى طينه فاستخرج مسكا ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى فرأيت عندها نورا عظيما». وروى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدرر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» «١». وإلى جانب هذه الأحاديث التي رواها الطبري بنصوصها أو نصوص مقاربة أورد هذا المفسر أقوالا رواها عن رواة عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير من علماء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتابعيهم تذكر أن معنى الكلمة الخير الكثير الذي أعطاه اللّه لنبيه والنبوة والحكمة والقرآن. ومما أورده الطبري أن سائلا سأل سعيد بن جبير عن معناها فلما قال له الخير الكثير قال السائل كنا نسمع أنه نهر في الجنة؟ فقال : هو الخير الكثير الذي أعطاه اللّه لنبيه وفي رواية أخرى أنه نهر وغيره... «٢».
فيمكن والحالة هذه أن يقال إن ابن عباس وتلامذته لم يثبت عندهم تلك الأحاديث ففسروا الكلمة بهذه التفسيرات الوجيهة المتسقة مع ظروف الدعوة الأولى التي كان يلقى النبي فيها المواقف الشديدة فتقتضي حكمة التنزيل تثبيته وتطمينه وتذكيره بما أنعم اللّه عليه من نعم عظمى وحثه على التقرب إليه بالصلاة والشكر مما تكرر في السور السابقة.
ومما يلحظ أن ترتيب هذه السورة سابق على سورة النجم التي تروي مشاهد الإسراء والمعراج في سياق آياتها الأولى. وقد يكون في هذا تدعيم لذلك التفسير والتوجيه.
_________
(١) الأحاديث الأربعة في التاج الجامع ج ٤ ص ٢٦٦.
(٢) استوعب الطبري جميع الأقوال وليس في كتب التفسير الأخرى أقوال مغايرة لها.