وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ : اُعْبُدْ رَبَّك وَانْحَرْ لَهُ، وَلَا يَكُنْ عَمَلُك إلَّا لِمَنْ خَصَّك بِالْكَوْثَرِ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ يُوَازِي هَذِهِ الْخَصِيصَةَ مِنْ الْكَوْثَرِ، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ إيَّاهُ، أَوْ النَّهْرُ الَّذِي طِينَتُهُ مِسْكٌ، وَعَدَدُ آنِيَتِهِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَمَّا أَنْ يُوَازِيَ هَذَا صَلَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَبْحَ كَبْشٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَذَلِكَ بَعِيدٌ فِي التَّقْدِيرِ
وَالتَّدْبِيرِ وَمُوَازَنَةِ الثَّوَابِ لِلْعِبَادِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْرُغَ عَلَى قَالَبِ الْقَوْلَيْنِ وَنَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ، فَنَقُولَ : أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ يَوْمَ الضُّحَى فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُهُ فِي سُورَةِ " وَالصَّافَّاتِ " وَغَيْرِهَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي وَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ، وَمَا بَيَّنَّهُ اللَّهُ فِيهِ لِلْأُمَّةِ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُدْوَةً، وَشَرَعَ تِلْكَ الْمِلَّةَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ حَبِيبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنْ اشْتَرَاهَا وَجَبَتْ.
وَهُوَ الثَّانِي.
الثَّالِثِ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ.
الرَّابِعِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَهُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا.