ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره، فكيف بالملك فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمه، فكيف إذا بنيت الصيغة على الواو الذي له العلو والغلبة فكيف إذا أتت إثر الفتحة التي لها من ذلك مثل ذلك بل أعظم، كان المعنى : أفضنا عليك وأبحناك من كل شيء من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادن الدارين ومعاونهما الخير الذي لا غاية له، فلا يدخل تحت الوصف، فأغنيناك عن أن تؤثر بذلك أو توفر مالك بجلب نفع أو دفع ضر، ومنه النهر الذي في الجنة ويسقي المؤمنين من الحوض الممدود منه في المحشر الذي مثاله في الدنيا شريعته ـ ﷺ ـ التي عراها وأسبابها عدد النجوم الذين هم علماء أمته المقتدى بهم، فقد اجتمع لك الغبطتان : أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما نهى عباده عما يلتذ به من أراد الدنيا وزينتها من الإكثار والكبر والتعزز بالمال والجاه وطلب الدنيا، أتبع ذلك بما منح نبيه مما هو خير مما يجمعون، وهو الكوثر وهو الخير الكثير، ومنه الحوض الذي ترده أمته في القيامة، لا يظمأ من شرب منه، ومنه مقامه المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون عند شفاعته العامة للخلق وإراحتهم من هول الموقف، ومن هذا الخير ما قدم له في دنياه من تحليل الغنائم والنصر بالرعب والخلق العظيم إلى ما لا يحصى من خيري الدنيا والآخرة مما بعض ذلك خير من الدنيا وما فيها إذ لا تعدل الدنيا وما فيها واحدة من هذه العطايا ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ [ يونس : ٥٨ ] ومن الكوثر والخير الذي أعطاه الله كتابه المبين، الجامع لعقل الأولين والآخرين، والشفاء لما في الصدور.
ولما كمل له سبحانه من النعم ما لا يأتي عليه حصر مما لا يناسب أدناه نعيم الدنيا بجملتها، قال مبيناً له منبهاً على عظيم ما أعطاه


الصفحة التالية
Icon