﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا﴾ [ الحجر : ٨٨ ] إلى قوله ﴿ورزق ربك خير وأبقى﴾ فقد اضمحل في جانب نعمة الكوثر الذي أوتي كلُّ ما ذكره الله تعالى في الكتاب من نعيم أهل الدنيا وتمكن من تمكن منهم، وهذا أحد موجبات تأخير هذه السورة، فلم يقع بعدها ذكر شيء من نعيم الدنيا ولا ذكر أحد من المتنعمين بها لانقضاء هذا الغرض وتمامه، وسورة الدين آخر ما تضمن الإشارة إلى شيء من ذلك كما تقدم من تمهيد إشاراتها، وتبين بهذا وجه تعقيبها بها - والله تعالى أعلم - انتهى.
ولما أعطاه ما فرغه به للعبادة وأكسبه غنى لا حاجة معه، سبب عنه قوله آمراً بما هو جامع لمجامع الشكر :﴿فصل﴾ أي بقطع العلائق من الخلائق بالوقوف بين يدي الله في حضرة المراقبة شكراً لإحسان المنعم خلافاً للساهي عنها والمرائي فيها.
ولما أتى بمظهر العظمة لتكثير العطاء فتسبب عنه الأمر بما للملك من العلو، وكان أمره ـ ﷺ ـ تكوينياً لا إباء معه، وقع الالتفات إلى صفة الإحسان المقتضي للترغيب والإقبال لما يفيد من التحبيب، مع التصريح بالتوحيد، وإفادة أن العبادة لا تقع إلا شكراً فقال تعالى :﴿لربك﴾ أي المحسن إليك بذلك سراً وعلناً مراغماً من شئت فلا سبيل لأحد عليك ﴿وانحر﴾ أي أنفق له الكوثر من المال على المحاويج خلافاً لم يدعهم ويمنعهم الماعون لأن النحر أفضل نفقات العرب لأن الجزور الواحد يغني مائة مسكين، وإذا أطلق العرب المال انصرف إلى الإبل، ولذا عبر عن هذا المراد بالنحر ليفهم الزجر عما كانوا يفعلونه من الذبح للأوثان، ومن معناه أيضاً أظهر الذل والمسكنة والخشوع في الصلاة بوضع اليمنى على اليسرى تحت النحر هيئة الذليل الخاضع، وقد قابل في هذا أربعاً من سورة الدين بأربع، وهي البخل بالإعطاء، وإضاعة الصلاة بالأمر بها، والرياء بالتخصيص بالرب، ومنع الزكاة بالنحر.


الصفحة التالية
Icon