فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) ﴾
اعلم أن هذه السورة على اختصارها فيها لطائف :
إحداها : أن هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة، وذلك لأن في السورة المتقدمة وصف الله تعالى المنافق بأمور أربعة : أولها : البخل وهو المراد من قوله :﴿يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾ [ الماعون : ٢، ٣ ] الثاني : ترك الصلاة وهو المراد من قوله :﴿الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ﴾ [ الماعون : ٥ ] والثالث : المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله :﴿الذين هُمْ يُرَاءونَ﴾ [ الماعون : ٦ ] والرابع : المنع من الزكاة وهو المراد من قوله :﴿وَيَمْنَعُونَ الماعون﴾ [ الماعون : ٧ ] فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة، فذكر في مقابلة البخل قوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ أي إنا أعطيناك الكثير، فأعط أنت الكثير ولا تبخل، وذكر في مقابلة :﴿الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ﴾ قوله :﴿فَصَلِّ﴾ أي دم على الصلاة، وذكر في مقابلة :﴿الذين هُمْ يُرَاءونَ﴾ قوله :﴿لِرَبّكِ﴾ أي ائت بالصلاة لرضا ربك، لا لمراءاة الناس، وذكر في مقابلة :﴿وَيَمْنَعُونَ الماعون﴾ قوله :﴿وانحر﴾ وأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة، ثم ختم السورة بقوله :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر﴾ أي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، وفي الآخرة الثواب الجزيل.


الصفحة التالية
Icon