﴿يا أيها النبي حسبك الله﴾ [ الأنفال : ٦٤ ] وقوله :﴿والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾ [ المائدة : ٦٧ ] وقوله :﴿إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله﴾ [ التوبة : ٤ ] ومن كان الله تعالى ضامناً لحفظه، فإنه لا يخشى أحداً وثانيها : أنه تعالى لما قال :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة وثالثها : أنه عليه السلام لما كفروا وزيف أديانهم ودعاهم إلى الإيمان اجتمعوا عنده، وقالوا : إن كنت تفعل هذا طلباً للمال فنعطيك من المال ما تصير به أغنى الناس، وإن كان مطلوبك الزوجة نزوجك أكرم نسائنا، وإن كان مطلوبك الرياسة فنحن نجعلك رئيساً على أنفسنا، فقال الله تعالى :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ أي لما أعطاك خالق السموات والأرض خيرات الدنيا والآخرة، فلا تغتر لما لهم ومراعاتهم ورابعها : أن قوله تعالى :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ يفيد أن الله تعالى تكلم معه لا بواسطة، فهذا يقوم مقام قوله :﴿وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيماً﴾ [ النساء : ١٦٤ ] بل هذا أشرف لأن المولى إذا شافه عبده بالتزام التربية والإحسان كان ذلك أعلى مما إذا شافهه في غير هذا المعنى، بل يفيده قوة في القلب ويزيل الجبن عن النفس، فثبت أن مخاطبة الله إياه بقوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ مما يزيل الخوف عن القلب والجبن عن النفس، فقدم هذه السورة على سورة :﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ حتى يمكنه الاشتغال بذلك التكليف الشاق والإقدام على تكفير جميع العالم، وإظهار البراءة عن معبودهم فلما امتثلت أمري، فانظر كيف أنجزت لك الوعد، وأعطيتك كثرة