الأتباع والأشياع، إن أهل الدنيا يدخلون في دين الله أفواجاً، ثم إنه لما تم أمر الدعوة وإظهار الشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن، وذلك لأن الطالب إما أن يكون طلبه مقصوراً على الدنيا، أو يكون طالباً للآخرة، أما طالب الدنيا فليس له إلا الخسار والذل والهوان، ثم يكون مصيره إلى النار، وهو المراد من سورة تبت، وأما طالب الآخرة فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات، وقد ثبت في العلوم العقلية أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين : منهم من عرف الصانع، ثم توسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف الأعلى، ومنهم من عكس وهو طريق الجمهور.
ثم إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين، فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله، وهو سورة :﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة :﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق﴾ ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة المودعة في كتابه الكريم.
الفائدة الثانية : في قوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ هي أن كلمة :﴿إِنّا﴾ تارة يراد بها الجمع وتارة يراد بها التعظيم.
أما الأول : فقد دل على أن الإله واحد، فلا يمكن حمله على الجمع، إلا إذا أريد أن هذه العطية مما سعى في تحصيلها الملائكة وجبريل وميكائيل والأنبياء المتقدمون، حين سأل إبراهيم إرسالك، فقال :﴿رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ [ البقرة : ١٢٩ ] وقال موسى : رب اجعلني من أمة أحمد.
وهو المراد من قوله :﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغربى إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الامر﴾ [ القصص : ٤٤ ] وبشر بك المسيح في قوله :﴿وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسمه أَحْمَدُ ﴾