وذلك إذا كان الموعود به أمراً عظيماً.
فلما تقع المسامحة به فعظمه يورث الشك في الوفاء به، فإذا أسند إلى المتكفل العظيم، فحينئذ يزول ذلك الشك، وهذه الآية من هذا الباب لأن الكوثر شيء عظيم، قلما تقع المسامحة به.
فلما قدم المبتدأ، وهو قوله :﴿إنا﴾ صار ذلك الإسناد مزيلاً لذلك الشك ودافعاً لتلك الشبهة.
الفائدة السادسة : أنه تعالى صدر الجملة بحرف التأكيد الجاري محرى القسم، وكلام الصادق مصون عن الخلف، فكيف إذا بالغ في التأكيد.
الفائدة السابعة : قال :﴿أعطيناك﴾ ولم يقل : سنعطيك لأن قوله :﴿أعطيناك﴾ يدل على أن هذا الإعطاء كان حاصلاً في الماضي، وهذا فيه أنواع من الفوائد
إحداها : أن من كان في الزمان الماضي أبداً عزيزاً مرعي الجانب مقضي الحاجة أشرف ممن سيصير كذلك، ولهذا قال عليه السلام :" كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " وثانيها : أنها إشارة إلى أن حكم الله بالإسعاد والإشقاء والإغناء والإفقار، ليس أمراً يحدث الآن، بل كان حاصلاً في الأزل وثالثها : كأنه يقول : إنا قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية! ورابعها : كأنه تعالى يقول : نحن ما اخترناك وما فضلناك، لأجل طاعتك، وإلا كان يجب أن لا نعطيك إلا بعد إقدامك على الطاعة، بل إنما اخترناك بمجرد الفضل والإحسان منا إليك من غير موجب، وهو إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام :" قبل من قبل لا لعلة، ورد من رد لا لعلة "
الفائدة الثامنة : قال :﴿أعطيناك﴾ ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي أو العالم أو المطيع، لأنه لو قال ذلك لأشعر أن تلك العطية وقعت معللة بذلك الوصف، فلما قال :﴿أعطيناك﴾ علم أن تلك العطية غير معللة بعلة أصلاً بل هي محض الاختيار والمشيئة، كما قال :﴿نَحْنُ قَسَمْنَا﴾ [ الزخرف : ٣٢ ] ﴿الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس﴾ [ الحج : ٧٥ ]


الصفحة التالية
Icon