الفائدة التاسعة : قال أولاً :﴿إِنَّا أعطيناك﴾ ثم قال ثانياً :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر﴾ وهذا يدل على أن إعطاؤه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته وطاعتنا له صفتنا، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق، ولهذا نقل عن الواسطي أنه قال : لا أعبد رباً يرضيه طاعتي ويسخطه معصيتي.
ومعناه أن رضاه وسخطه قديمان وطاعتي ومعصيتي محدثتان والمحدث لا أثر له في قديم، بل رضاه عن العبد هو الذي حمله على طاعته فيما لا يزال، وكذا القول في السخط والمعصية.
الفائدة العاشرة : قال :﴿أعطيناك الكوثر﴾ ولم يقل : آتيناك الكوثر، والسبب فيه أمران الأول : أن الإيتاء يحتمل أن يكون واجباً وأن يكون تفضلاً، وأما الإعطاء فإنه بالتفضل أشبه فقوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ يعني هذه الخيرات الكثيرة وهي الإسلام والقرآن والنبوة والذكر الجميل في الدنيا والآخرة، محض التفضل منا إليك وليس منه شيء على سبيل الاستحقاق والوجوب، وفيه بشارة من وجهين أحدهما : أن الكريم إذا شرع في التربية على سبيل التفضل، فالظاهر أنه لا يبطلها، بل كان كل يوم يزيد فيها الثاني : أن ما يكون سبب الاستحقاق، فإنه يتقدر بقدر الاستحقاق، وفعل العبد متناه، فيكون الاستحقاق الحاصل بسببه متناهياً، أما التفضل فإنه نتيجة كرم الله غير متناه، فيكون تفضله أيضاً غير متناه، فلما دل قوله :﴿أعطيناك﴾ على أنه تفضل لا استحقاق أشعر ذلك بالدوام والتزايد أبداً.