﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [ الشرح : ٤ ] القول الحادي عشر : أنه العلم قالوا : وحمل الكوثر على هذا أولى لوجوه أحدها : أن العلم هو الخير الكثير قال :﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [ النساء : ١١٣ ] وأمره بطلب العلم، فقال :﴿وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً﴾ [ طه : ١١٤ ] وسمى الحكمة خيراً كثيراً، فقال :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [ البقرة : ٢٦٩ ] وثانيها : أنا إما أن نحمل الكوثر على نعم الآخرة، أو على نعم الدنيا، والأول غير جائز لأنه قال : أعطينا، ونعم الجنة سيعطيها لا أنه أعطاها، فوجب حمل الكوثر على ما وصل إليه في الدنيا، وأشرف الأمور الواصلة إليه في الدنيا هو العلم والنبوة داخلة في العلم، فوجب حمل اللفظ على العلم وثالثها : أنه لما قال :﴿أعطيناك الكوثر﴾ قال عقيبه :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر﴾ والشيء الذي يكون متقدماً على العبادة هو المعرفة، ولذلك قال في سورة النحل ( ٢ ) :﴿أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون﴾ وقال في طه ( ١٤ ) :﴿إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى﴾ فقدم في السورتين المعرفة على العبادة، ولأن فاء التعقيب في قوله ﴿فصل﴾ تدل على أن إعطاء الكوثر كالموجب لهذه العبادة، ومعلوم أن الموجب للعبادة ليس إلا العلم، القول الثاني عشر : أن الكوثر هو الخلق الحسن، قالوا : الانتفاع بالخلق الحسن عام ينتفع به العالم والجاهل والبهيمة والعاقل، فأما الانتفاع بالعلم، فهو مختص بالعقلاء، فكان نفع الخلق الحسن أعم، فوجب حمل الكوثر عليه، ولقد كان عليه السلام كذلك كان للأجانب كالوالد يحل عقدهم ويكفي مهمهم، وبلغ حسن خلقه إلى أنهم لما كسروا سنه، قال :" اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " القول الثالث عشر : الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة، فقال في الدنيا :{وَمَا كَانَ