حملها على الباقي فوجب حملها على الكل، وروي أن سعيد بن جبير، لما روى هذا القول عن ابن عباس قال له بعضهم : إنا ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وقال بعض العلماء ظاهر قوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ يقتضي أنه تعالى قد أعطاه ذلك الكوثر فيجب أن يكون الأقرب حمله على ما آتاه الله تعالى من النبوة والقرآن والذكر الحكيم والنصرة على الأعداء، وأما الحوض وسائر ما أعد له من الثواب فهو وإن جاز أن يقال : إنه داخل فيه لأن ما ثبت بحكم وعد الله فهو كالواقع إلا أن الحقيقة ما قدمناه لأن ذلك وإن أعد له فلا يصح أن يقال : على الحقيقة إنه أعطاه في حال نزول هذه السورة بمكة، ويمكن أن يجاب عنه بأن من أقر لولده الصغير بضيعة له يصح أن يقال : إنه أعطاه تلك الضيعة مع أن الصبي في تلك الحال لا يكون أهلاً للتصرف، والله أعلم.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
في قوله :﴿فَصْلٌ﴾ وجوه الأول : أن المراد هو الأمر بالصلاة، فإن قيل : اللائق عند النعمة الشكر، فلم قال : فصل ولم يقل : فاشكر ؟ الجواب : من وجوه الأول : أن الشكر عبارة عن التعظيم وله ثلاثة أركان أحدها : يتعلق بالقلب وهو أن يعلم أن تلك النعمة منه لا من غيره والثاني : باللسان وهو أن يمدحه والثالث : بالعمل وهو أن يخدمه ويتواضع له، والصلاة مشتملة على هذه المعاني، وعلى ما هو أزيد منها فالأمر بالصلاة أمر بالشكر وزيادة فكان الأمر بالصلاة أحسن وثانيها أنه لو قال فاشكر لكان ذلك يوهم أنه ما كان شاكراً لكنه كان من أول أمره عارفاً بربه مطيعاً له شاكراً لنعمه، أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي، قال :﴿مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [ الشورى : ٥٢ ] الثالث : أنه في أول ما أمره بالصلاة.