واعلم أنه لما كانت النعم الكثيرة محبوبة ولازم المحبوب محبوب، والفاء في قوله :﴿فَصَلِّ﴾ اقتضت كون الصلاة من لوازم تلك النعم، لا جرم صارت الصلاة أحب الأشياء للنبي عليه الصلاة والسلام فقال :" وجعلت قرة عيني في الصلاة " ولقد صلى حتى تورمت قدماه، فقيل له : أوليس قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال :" أفلا أكون عبداً شكوراً " فقوله :" أفلا أكون عبداً شكوراً " إشارة إلى أنه يجب على الاشتغال بالطاعة بمقتضى الفاء في قوله :﴿فَصَلِّ ﴾.
المسألة السادسة :
كان الأليق في الظاهر أن يقول : إن أعطيناك الكوثر، فصل لنا وانحر.
لكنه ترك ذلك إلى قوله :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ﴾ لفوائد إحداها : أن وروده على طريق الالتفات من أمهات أبواب الفصاحة وثانيها : أن صرف الكلام من المضمر إلى المظهر يوجب نوع عظمة ومهابة، ومنه قول الخلفاء لمن يخاطبونهم : يأمرك أمير المؤمنين، وينهاك أمير المؤمنين وثالثها : أن قوله :﴿إِنَّا أعطيناك﴾ ليس في صريح لفظه أن هذا القائل هو الله أو غيره، وأيضاً كلمة ﴿إنا﴾ تحتمل الجمع كما تحتمل الواحد المعظم نفسه، فلو قال : صل لنا، لنفي ذلك الاحتمال وهو أنه ما كان يعرف أن هذه الصلاة لله وحده أم له ولغيره على سبيل التشريك، فلهذا ترك اللفظ، وقال :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ﴾ ليكون ذلك إزالة لذلك الاحتمال وتصريحاً بالتوحيد في الطاعة والعمل لله تعالى.
المسألة السابعة :
قوله :﴿فَصَلّ لِرَبّكَ﴾ أبلغ من قوله : فصل لله لأن لفظ الرب يفيد التربية المتقدمة المشار إليها بقوله :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ ويفيد الوعد الجميل في المستقبل أنه يربيه ولا يتركه.
المسألة الثامنة :


الصفحة التالية
Icon