وقال النخجواني :
[سورة الكافرون ]
فاتحة سورة الكافرون
لا يخفى على ارباب الخبرة والوقوف بأمارات مقصد التوحيد الذاتي وعلامات مسلك الفناء في اللّه والبقاء ببقائه ان الطريق إلى اللّه متفاوتة والمعارج نحوه متنوعة متخالفة إذ لكل وجهة هو موليها وأكمل الطرق وأشملها وأسلمها وأوضحها هو الذي قد سلكه واستقام عليه بتوفيق اللّه الحضرة الختمية الخاتمية صلى اللّه عليه وسلم إذ طريقه صلى اللّه عليه وسلم مستوعب لعموم الطرق والسبل لكونه مبنيا على التوحيد الذاتي المشتمل على توحيد الصفات والأفعال مطلقا ولا يهتدى إليه احد من الخلق الا بجذب من جانب الحق وتوفيق من لدنه ومن لم يؤيد من قبل الحق ولم تدركه العناية الإلهية ما اهتدى إليه سبحانه سبيلا لذلك امر سبحانه في هذه السورة حبيبه صلى اللّه عليه وسلم حين دعاه الكفرة ليعبد صلى اللّه عليه وسلم سنة إلى ما عبدوا من آلهتهم الباطلة حتى يعبدوا بعد تلك السنة للّه الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق للعبودية والتذلل سنة اخرى مجازاة لها ومقابلة إياها بان لا يلتفت صلى اللّه عليه وسلم إلى قولهم الباطل ورأيهم الزائغ الزائل فقال بعد ما تيمن وتبرك بِسْمِ اللَّهِ المطلع لما في ضمائر عموم عباده من الهداية والضلال الرَّحْمنِ عليهم بإرسال الرسل يدعوهم إلى سبيل السلامة والرشد الرَّحِيمِ لهم يوصلهم إلى خير المنقلب والمآب
[الآيات ]
قُلْ يا أكمل الرسل مناديا لمن دعاك إلى عبادة الآلهة الباطلة يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الساترون شمس الحق الظاهرة في الأنفس والآفاق بغيوم هوياتكم الباطلة
لا أَعْبُدُ أى لا انقاد ولا أتوجه انا سيما بعد ما وفقني اللّه إلى توحيده الذاتي وهداني نحو شمس ذاته وشرفني بمطالعة وجهه الكريم وخصصنى من بين عموم مظاهره ومصنوعاته بهذه الكرامة العلية ما تَعْبُدُونَ أنتم أيها الجاهلون من الآلهة الباطلة والاظلال الهالكة العاطلة قد اتخذتموها آلهة من تلقاء انفسكم أنتم وآباؤكم مع انه ما انزل اللّه بها من سلطان حجة وبرهان بل ما تتبعون أنتم وآباؤكم في اتخاذكم هذا الا الظن وما تهوى الأنفس من غير ورود الهداية والإرشاد من قبل الحق
وَلا أَنْتُمْ أيصاً عابِدُونَ ما أَعْبُدُ من الحق الوحيد الفريد الحقيق بالاطاعة والعبادة بالاستحقاق إذ لا إله في الوجود معه ولا شيء يماثله حتى يشارك معه في أخص أوصافه التي هي الألوهية والربوبية ووجوب الوجود إذ ليس في وسعكم واستعداداتكم الايمان به والإيقان بوحدته وباستقلاله في ملكه وملكوته ومع ذلك ما وفقكم الحق عليه وما أقدركم به
وَبالجملة لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ إذ هي لا يليق بالعبودية والمعبودية حتى اعبد له
وَلا أَنْتُمْ أيصاً عابِدُونَ ما أَعْبُدُ إذ لا يتيسر لكم الايمان به والاطلاع على وجوده والاتصاف بمعرفته وشهوده فكيف تعبدون أنتم للّه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد بلا جذب من جانبه وتوفيق من لدنه وانا أيصاً لا اعبد لمعبوداتكم الباطلة التي هي بمراحل عن رتبة الألوهية والمعبودية وبالجملة


الصفحة التالية
Icon