وقال ابن عاشور :
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) ﴾
افتتاحها بـ ﴿ قلْ ﴾ للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه، ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جواببٍ عن سؤال منها :﴿ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء للَّه ﴾ في سورة الجمعة ( ٦ ).
والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور :﴿ قل أوحي ﴾ [ الجن : ١ ]، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، والمعوّذتان، فالثلاث الأول لقول يبلِّغه، والمعوّذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه.
والنداء موجه إلى الأربعة الذين قالوا للنبيء ﷺ فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، كما في خبر سبب النزول وذلك الذي يقتضيه قوله :﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ كما سيأتي.
وابتدىء خطابهم بالنداء لإِبلاغهم، لأن النداء يستدعي إقبال أذهانهم على ما سيلقى عليهم.
ونُودوا بوصف الكافرين تحقيراً لهم وتأييداً لوجه التبرؤ منهم وإيذاناً بأنه لا يخشاهم إذا ناداهم بما يَكرهون مما يثير غضبهم لأن الله كفاه إياهم وعصمه من أذاهم.
قال القرطبي : قال أبو بكر بن الأنباري : إن المعنى : قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أن يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم : يا أيها الكافرون، وهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر.
فقوله :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾ إخبار عن نفسه بما يحصل منها.
والمعنى : لا تحصل مني عبادتي ما تعبدون في أزمنة في المستقبل تحقيقاً لأن المضارع يحتمل الحال والاستقبال فإذا دخل عليه ( لا ) النافية أفادت انتفاءه في أزمنة المستقبل كما درج عليه في "الكشاف"، وهو قول جمهور أهل العربية.