ولكنهما لم تساو في اللفظ بين الطرفين، فمن جهة الرسول ﷺ جاء في الجملة الأولى ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ عبر عن كل منهما بالفعل المضارع الدال على الحال : أي لا أعبد الآن ما تعبدون الآن بالفعل. ثم قال :﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ فعبر عنهم بالاسمية وعنه هو بالفعلية، أي ولا أنتم متصفون بعبادة ما أعبد الآن.
وفي الجملة الثانية قال :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٤-٥ ].
فعبر عنه بأنه ليس متصفاً بعبادة ما يعبدون ولا هم عابدون ما يعبد، فكان وصفه هو ﷺ في الجملتين بوصفين مختلفين بالجملة الفعلية تارة وبالجملة الاسمية تارة أخرى، فكانت إحداهما لنفي الوصف الثابت، والأخرى لنفي حدوثه فيما بعد.
أما هم فلم يوصفوا في الجملتين إلا بالجملة الاسمية الدالة على الوصف الثابت، أي في الماضي إلى الحاضر، ولم يكن فيما وصفوا به جملة فعلية من خصائصها التجدد والحدوث، فلم يكن فيها ما يتعرض للمستقبل فلم يكن إشكال، والله تعالى أعلم.
فإن قيل : إن الوصف باسم الفاعل يحتمل الحال والاستقبال، فيبقى الإشكال محتملاً.
قيل : ما ذكره الزمخشري من أن دخول ما عليه تعينه للحال، يكفي في نفي هذا الاحتمال، فإن قيل : قد ناقشه أبو حيان.
وقال : إنها أغلبية وليست قطعية.
قلنا : يكفي في ذلك حكم الأغلب، وهو ما يصدقه الواقع، إذ آمن بعضهم وعبد معبوده ﷺ، وما في قوله :﴿ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾، واقعة في الأولى على غير ذي علم، وهي أصنامهم وهو استعمالهم الأساسي.