المراد من قوله :﴿واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات﴾ [ محمد : ١٩ ] أي كثرة الأتباع مما يشغل القلب بلذة الجاه والقبول، فاستغفر لهذا القدر من ذنبك، واستغفر لذنبهم فإنهم كلما كانوا أكثر كانت ذنوبهم أكثر فكان احتياجهم إلى استغفارك أكثر الوجه الثاني : أنه عليه السلام لما تبرأ عن الكفر وواجههم بالسوء في قوله :﴿يا أيها الكافرون﴾ كأنه خاف بعض القوم فقلل من تلك الخشونة فقال :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ فقيل : يا محمد لا تخف فإني لا أذهب بك إلى النصر بل أجيء بالنصر إليك :﴿إِذَا جَاء نَصْرُ الله﴾ نظيره :"زويت لي الأرض" يعني لا تذهب إلى الأرض بل تجيء الأرض إليك، فإن سئمت المقام وأردت الرحلة، فمثلك لا يرتحل إلا إلى قاب قوسين :
﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ﴾ [ الإسراء : ١٦ ] بل أزيد على هذا فأفضل فقراء أمتك على أغنيائهم ثم آمر الأغنياء بالضحايا ليتخذوها مطايا فإذا بقي الفقير من غير مطية أسوق الجنة إليه :﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ الشعراء : ٩٠ ] الوجه الثالث : كأنه سبحانه قال : يا محمد إن الدنيا لا يصفو كدرها ولا تدوم محنها ولا نعيمها فرحت بالكوثر فتحمل مشقة سفاهة السفهاء حيث قالوا : أعبد آلهتنا حتى نعبد إلهك فلما تبرأ عنهم وضاق قلبه من جهتهم قال : أبشر فقد جاء نصر الله فلما استبشر قال : الرحيل الرحيل أما علمت أنه لا بد بعد الكمال من الزوال، فاستغفره أيها الإنسان لا تحزن من جوع الربيع فعقيبه غنى الخريف ولا تفرح بغنى الخريف فعقيبه وحشة الشتاء، فكذا من تم إقباله لا يبقى له إلا الغير ومنه :
إذا تم أمر دنا نقصه.. توقع زوالا إذا قيل تم