إلهي لم فعلت كذلك قال : حتى لا نضع قلبك على الدنيا بل تكون أبداً على جناح الارتحال والسفر الوجه الرابع : لما قال في آخر السورة المتقدمة :﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ﴾ فكأنه قال : إلهي وما جزائي فقال : نصر الله فيقول : وما جزاء عمي حين دعاني إلى عبادة الأصنام فقال :﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ﴾ [ المسد : ١ ] فإن قيل : فلم بدأ بالوعد قبل الوعيد، قلنا : لوجوه أحدها : لأن رحمته سبقت غضبه والثاني : ليكن الجنس متصلاً بالجنس فإنه قال :﴿وَلِىَ دِينِ﴾ وهو النصر كقوله :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ]، وثالثها : الوفاء بالوعد أهم في الكرم من الوفاء بالانتقام، فتأمل في هذه المجانسات الحاصلة بين هذه السور مع أن هذه السور مع أن هذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة وتلك السورة من أوائل ما نزل بمكة ليعلم أن ترتيب هذه السور من الله وبأمره الوجه الخامس : أن في السورة المتقدمة لم يذكر شيئاً من أسماء الله، بل قال : ما أعبد بلفظ ما، كأنه قال : لا أذكر اسم الله حتى لا يستخفوا فتزداد عقوبتهم، وفي هذه السورة ذكر أعظم أساميه لأنها منزلة على الأحباب ليكون ثوابهم بقراءته أعظم فكأنه سبحانه قال لا تذكر اسمي مع الكافرين حتى لا يهينوه واذكره مع الأولياء حتى يكرموه الوجه السادس : قال النحويون :﴿إذاً﴾ منصوب بسبح، والتقدير : فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله، كأنه سبحانه يقول : جعلت الوقت ظرفاً لما تريده وهو النصر والفتح والظفر وملأت ذلك الظرف من هذه الأشياء، وبعثته إليك فلا ترده علي فارغاً، بل املأه من العبودية ليتحقق معنى :"تهادوا تحابوا" فكأن محمداً عليه السلام قال : بأي شيء أملأ ظرف هديتك وأنا فقير، فيقول الله في المعنى : إن لم تجد شيئاً آخر فلا أقل من تحريك اللسان بالتسبيح والحمد والاستغفار، فلما فعل محمد عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon