والسلام ذلك حصل معنى تهادوا، لا جرم حصلت المحبة، فلهذا كان محمد حبيب الله الوجه السابع : كأنه تعالى يقول : إذا جاءك النصر والفتح ودخول الناس في دينك، فاشتغل أنت أيضاً بالتسبيح والحمد والاستغفار، فإني قلت :
﴿لئن شكرتم لأزدينكم﴾ [ إبراهيم : ٧ ] فيصير اشتغالك بهذه الطاعات سبباً لمزيد درجاتك في الدنيا والآخرة، ولا تزال تكون في الترقي حتى يصير الوعد بقولي :﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ الوجه الثامن : أن الإيمان إنما يتم بأمرين : بالنفي والإثبات وبالبراءة والولاية، فالنفي والبراءة قوله :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ والإثبات والولاية قوله :﴿إِذَا جَاء نَصْرُ الله﴾ فهذه هي الوجوه الكلية المتعلقة بهذه السورة.
واعلم أن في الآية أسراراً، وإنما يمكن بيانها في معرض السؤال والجواب.
السؤال الأول : ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف الفتح على النصر ؟ الجواب : من وجوه أحدها : النصر هو الإعانة على تحصيل المطلوب، والفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً، وظاهر أن النصر كالسبب الفتح، فلهذا بدأ يذكر النصر وعطف الفتح عليه وثانيها : يحتمل أن يقال : النصر كمال الدين، والفتح الإقبال الدنيوي الذي هو تمام النعمة، ونظير هذه الآية قوله :﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى﴾ [ المائدة : ٣ ] وثالثها : النصر هو الظفر في الدنيا على المنى، والفتح بالجنة، كماقال :﴿وَفُتِحَتْ أبوابها﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وأظهر الأقوال في النصر أنه الغلبة على قريش أو على جميع العرب.


الصفحة التالية
Icon