ظاهر لفظ الناس للعموم، فيقتضي أن يكون كل الناس كانوا قد دخلوا في الوجود مع أن الأمر ما كان كذلك الجواب : من وجهين الأول : أن المقصود من الإنسانية والعقل، إنما هو الدين والطاعة، على ما قال :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] فمن أعرض عن الدين الحق وبقي على الكفر، فكأنه ليس بإنسان، وهذا المعنى هو المراد من قوله :﴿أُوْلَئِكَ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] وقال :﴿آمنوا كما آمن الناس﴾ [ البقرة : ١٣ ] وسئل الحسن بن علي عليه السلام من الناس ؟ فقال : نحن الناس، وأشياعنا أشباه الناس، وأعداؤنا النسناس، فقبله علي عليه السلام بين عينيه، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته، فإن قيل : إنهم إنما دخلوا في الإسلام بعد مدة طويلة وتقصير كثير، فكيف استحقوا هذا المدح العظيم ؟ قلنا : هذا فيه إشارة إلى سعة رحمة الله، فإن العبد بعد أن أتى بالكفر والمعصية طول عمره، فإذا أتى بالإيمان في آخر عمره يقبل إيمانه، ويمدحه هذا المدح العظيم، ويروى أن الملائكة يقولون لمثل هذا الإنسان : أتيت وإن كنت قد أبيت.
ويروى أنه عليه السلام قال :" لله أفرح بتوبة أحدكم من الضال الواجد، والظمآن الوارد " والمعنى كان الرب تعالى يقول : ربيته سبعين سنة، فإن مات على كفره فلا بد وأن أبعثه إلى النار، فحينئذ يضيع إحساني إليه في سبعين سنة، فكلما كانت مدة الكفر والعصيان أكثر كانت التوبة عنها أشد قبولاً الوجه الثاني : في الجواب، روى أن المراد بالناس أهل اليمن، قال أبو هريرة : لما نزلت هذه السورة، قال رسول الله ﷺ :" الله أكبر جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن قوم رقيقة قلوبهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية، وقال : أجد نفس ربكم من قبل اليمن ".
المسألة الثالثة :