قال جمهور الفقهاء وكثير من المتكلمون : إن إيمان المقلد صحيح، واحتجوا بهذه الآية، قالوا : إنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج وجعله من أعظم المنن على محمد عليه السلام، ولو لم يكن إيمانهم صحيحاً لما ذكره في هذا المعرض، ثم إنا نعلم قطعاً أنهم ما كانوا عالمين حدوث الأجساد بالدليل ولا إثبات كونه تعالى منزهاً عن الجسمية والمكان والحيز ولا إثبات كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ولا إثبات قيام المعجز التام على يد محمد ﷺ، ولا إثبات أن قيام المعجز كيف يدل على الصدق والعلم بأن أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري، فعلمنا أن إيمان المقلد صحيح، ولا يقال : إنهم كانوا عالمين بأصول دلائل هذه المسائل لأن أصول هذه الدلائل ظاهرة، بل إنما كانوا جاهلين بالتفاصيل إلا أنه ليس من شرط كون الإنسان مستدلاً كونه عالماً بهذه التفاصيل، لأنا نقول : إن الدليل لا يقبل الزيادة والنقصان، فإن الدليل إذا كان مثلاً مركباً من عشر مقدمات، فمن علم تسعة منها، وكان في المقدمة العاشرة مقلداً كان في النتيجة مقلداً لا محالة لأن فرع التقليد أولى أن يكون تقليداً وإن كان عالماً بمجموع تلك المقدمات العشرة استحال كون غيره أعرف منه بذلك الدليل، لأن تلك الزيادة إن كانت جزأً معتبراً في دلالة هذا الدليل لم تكن المقدمات العشرة الأولى تمام الدليل، فإنه لا بد معها من هذه المقدمة الزائدة، وقد كنا فرضنا تلك العشرة كافية، وإن لم تكن الزيادة معتبرة في دلالة ذلك الدليل كان ذلك أمراً منفصلاً عن ذلك الدليل غير معتبر في كونه دليلاً على ذلك المدلول، فثبت أن العلم بكون الدليل دليلاً لا يقبل الزيادة والنقصان، فأما أن يقال : إن أولئك الأعراب كانوا عالمين بجميع مقدمات دلائل هذه المسائل بحيث ما شذ عنهم من تلك المقدمات واحدة، وذلك مكابرة أو ما كانوا كذلك.


الصفحة التالية
Icon