الفائدة الأولى : اعلم أن تأخير النصر سنين مع أن محمداً كان على الحق مما يثقل على القلب ويقع في القلب أني إذا كنت على الحق فلم لا تنصرني ولم سلطت هؤلاء الكفرة علي فلأجل الاعتذار عن هذا الخاطر أمر بالتسبيح، أما على قولنا : فالمراد من هذا التنزيه أنك منزه عن أن يستحق أحد عليك شيئاً بل كل ما تفعله فإنما تفعله بحكم المشيئة الإلهية فلك أن تفعل ما تشاء كما تشاء ففائدة التسبيح تنزيه الله عن أن يستحق عليه أحد شيئاً، وأما على قول المعتزلة : ما فائدة التنزيه هو أن يعلم العبد أن ذلك التأخير كان بسبب الحكمة والمصلحة لا بسبب البخل وترجيح الباطل على الحق، ثم إذا فرغ العبد عن تنزيه الله عما لا ينبغي فحينئذ يشتغل بحمده على ما أعطى من الإحسان والبر، ثم حينئذ يشتغل بالاستغفار لذنوب نفسه الوجه الثاني : أن للسائرين طريقين فمنهم من قال : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله بعده، ومنهم من قال : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله، ولا شك أن هذا الطريق أكمل، أما بحسب المعالم الحكمية، فلأن النزول من المؤثر إلى الأثر أجل مرتبة من الصعود من الأثر إلى المؤثر، وأما بحسب أفكار أرباب الرياضات فلأن ينبوع النور هو واجب الوجود وينبوع الظلمة ممكن الوجود، فالاستغراق في الأول يكون أشرف لا محالة، ولأن الاستدلال بالأصل على التبع يكون أقوى من الاستدلال بالتبع على الأصل، وإذا ثبت هذا فنقول : الآية دالة على هذه الطريقة التي هي أشرف الطريقين وذلك لأنه قدم الاشتغال بالخالق على الاشتغال بالنفس فذكر أولاً من الخالق أمرين أحدهما : التسبيح والثاني : التحميد، ثم ذكروا في المرتبة الثالثة الاستغفار وهو حالة ممزوجة من الالتفات إلى الخالق وإلى الخلق.


الصفحة التالية
Icon