وأجيب بأنه كلف بتصديق الرسول ﷺ فقط لا بتصديقه وعدم تصديقه حتى يجتمع النقيضان، وغاية ذلك أنهم كلفوا بالإيمان بعد علمهم بأنهم لا يؤمنون وليس فيه إلا انتفاء فائدة التكليف، لأن فائدة التكليف بما علم الله لا يكون هو الابتلاء وإلزام الحجة وهذا لا يتصور بعد أن يعلم المكلف حاله من امتناع صدور الفعل عنه، والتكليف من غير فائدة جائز عندكم لأن أفعاله تعالى غير معللة بغرض وفائدة على معتقدكم. ثم إن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية كانت في غاية العداوة لرسول الله ﷺ، فمن المفسرين من قال : كانت تحمل الشوك والحطب وتلقيهما بالليل في طريق النبي ﷺ، فلعلها مع كونها من بيت العز كانت خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب لتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم من هؤلاء من زعم أن الحبل اشتد في جيدها فماتت بسبب الاختناق، فقوله ﴿ في جيدها حبل من مسد ﴾ يحتمل على هذا أن يكون دعاء عليها وقد وقع كما أريد وكان معجزاً. ومنهم من قال : عيرها بذلك تشبيهاً لها بالحطابات وإيذاء لها ولزوجها. وعن قتادة أنها كانت تعير رسول الله ﷺ بالفقر فعيرها بأنها كانت تحتطب. والأكثرون على أن المراد بقوله ﴿ حمالة الحطب ﴾ أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للنمام المفسد بين الناس إنه يحمل الحطب بينهم أي يوقد بينهم النائرة. ويقال للمكثار هو كحاطب ليل. وقال أبو مسلم وسعيد بن جبير : أراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول ﷺ لأنه كان كالحطب في مصيره إلى النار نظيره
﴿ فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ﴾
[الأحزاب : ٥٨]
﴿ وليحملن أثقالهم ﴾