قال مجاهد : وما كسب من ولد، وولد الرجل من كسبه، ويجوز أن تكون "ما" في قوله :﴿ مَا أغنى ﴾ استفهامية، أي : أيّ شيء أغنى عنه؟ وكذا يجوز في قوله :﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ أن تكون استفهامية، أي : وأيّ شيء كسب؟ ويجوز أن تكون مصدرية، أي : وكسبه.
والظاهر أن "ما" الأولى نافية، والثانية موصولة.
ثم أوعده سبحانه بالنار فقال :﴿ سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾.
قرأ الجمهور :﴿ سيصلى ﴾ بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي : سيصلى هو بنفسه، وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وابن مقسم، والأشهب العقيلي، وأبو السماك، والأعمش، ومحمد بن السميفع بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، والمعنى سيصليه الله، ومعنى ﴿ ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ ذات اشتعال وتوقد، وهي : نار جهنم.
﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ معطوف على الضمير في " يصلى ".
وجاز ذلك للفصل.
أي : وتصلى امرأته ناراً ذات لهب.
وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان.
وكانت تحمل الغضى والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ ﷺ، كذا قال ابن زيد، والضحاك، والربيع بن أنس، ومرّة الهمداني.
وقال مجاهد، وقتادة، والسديّ : إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس.
والعرب تقول : فلان يحطب على فلان : إذا نمّ به، ومنه قول الشاعر :
إن بني الأدرم حمالوا الحطب... هم الوشاة في الرضا والغضب
عليهم اللعنة تترى والحرب... وقال آخر :
من البيض لم يصطد على ظهر لأمة... ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة.
وقال سعيد بن جبير : معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم : فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله :﴿ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٣١ ].
وقيل : المعنى حمالة الحطب في النار.