وقال القاسمى :
سورة المسد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾
أي : خسرت يداه، وخسر هو. واليدان كناية عن الذات والنفس، لما بينهما من اللزوم في الجملة، أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل. وجملة ﴿ وَتُبْ ﴾ مؤكدة لما قبلها، أو المراد بالأولى خسرانه في نفسه وذاته ؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله. فأخبر بأن محروم منهما، كما تشير له الآيتان بعد : أعني هلاك عمله وهلاك نفسه.
وقال ابن جرير : كان بعض أهل العربية يقول قوله :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ دعاء عليه من الله. وأما قوله :﴿ وَتُبْ ﴾ فإنه خبر، أي : عما سيحقق له في الدنيا والآخرة. وعبر عنه بالماضي لتحققه.
وأبو لهب أحد عمومة النبي ﷺ، واسمه عبد العزى، وقد اشتهر بكنيته وعرف بها لولد له يقال : له لهب ؛ أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما، مع الإشارة إلى أنه من أهل النار، وأن مآله إلى نار ذات لهب، فوافقت حاله كنيته، فحسن ذكره بها.
قال الرواة : كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبي ﷺ، وأذية له وبغضة له وازدراء به وتنقصاً له ولدعوته، ومات على كفره بعد وقعة بدر ولم يحضرها، بل أرسل عنه بديلاً، فلما بلغه ما جرى لقريش مات غماً ؛ وقد روى الشيخان عن ابن عباس قال : لما نزلت ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ]، صعد النبي ﷺ على الصفا ونادى :< يا بني فهر ! يا بني عديّ ! > - لبطون من قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً ؛ لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال :< أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ > ؟ قالوا : نعم. ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال :< فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد >. فقال أبو لهب : ُتبّاً لك سائرَ اليوم، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت السورة.


الصفحة التالية
Icon