على أن هذا لا يقدح في صحة الحديث لأنه صحيح لا غبار عليه وواقع عند نزول هذه الآية حقا إلا أنه لم يكن سببا لنزول السورة هذه، ولا يبعد أن يكون قول أبي لهب لحضرة الرسول (تبّا لك سائر اليوم) ردا على ما جاء في هذه السورة المتقدمة على هذه الحادثة، والأجدر أن يكون كذلك، لأن العرب قد ترد على كلمة قيلت لهم ولو بعد حين، ألم تر أن المعرّي حين قال للشاعر مهيار الديلمي لما سمع شعره بالعراق بعد أن سمعه في الشام "و أشعر من في العراق" عطفا على قوله قبل عشرين سنة وهو في الشام "أنت أشعر من في الشام" وهذا الشاعر له ديوان يحتوي على ثمانية عشر الف بيت، وهو مطبوع وموجود في مكاتب مصر وغيرها وهذا من بعض ذكاء المعرّي.
وحين سقط في يدي أبي لهب يقول اللّه تعالى "ما أَغْنى عَنْهُ" أي لم ينجه من عذاب اللّه "مالُهُ وَما كَسَبَ ٢" في دنياه وولد الرجل من كسبه أي ولا ولده.
أخرج أبو داود عن عائشة قالت إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه أي من ربحه.
وأخرجه الترمذي بلفظ الجمع أي إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم
وكان لأبي لهب ثلاثة أولاد عتبة ومتعب أسلما، وعتيبة أهان حضرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأساء الأدب معه بأمر أبيه وطلق ابنته أم كلثوم، فقال صلى اللّه عليه وسلم : أللهم سلط عليه كلبا من كلابك.
فقتله السبع على طريق الشام ومن أسماء السبع الكلب، ثم هلك أبو لهب بالعدسة أي مرض الطاعون بعد وقعة بدر، وهذا المرض يجتنب مخافة العدوى فاستأجروا له بعض السودان، فدفنوه مخافة العار وإلا لتركوه وهذه العادة توجد حتى الآن عند بعض البدو، فانهم إذا مات أحدهم بمرض يزعمون أنه يعدي فإنهم يتباعدون عنه ويتركونه، وقد يهجرونه إبّان مرضه مخافة العدوى كالجدري والطاعون وغيره، هذا وقد صدق اللّه فلم يغن عنه ماله ولا كسبه، ولم يحل بينه وبين ما حل به، وكان صاحب مواشي.


الصفحة التالية
Icon