الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية، فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص ؛ إذا لم يكن بُدٌّ من الإخبار عنه، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم، ولم يَكْنِ عن أحد منهم.
ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يُسَمَّى ولا يُكنَّى، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ؛ واستحالة نسبة الكنية إليه، لتقدّسه عنها.
الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته ؛ بأن يدخله النار، فيكون أبا لها ؛ تحقيقاً للنسب، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه.
وقد قيل : اسمه كنيته.
فكان أهله يسمونه ( أبا لهب )، لتلهب وجهه وحسنه ؛ فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النُّور، وأبو الضياء، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى ( لَهَبٍ ) الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم، وهو النار.
ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقرّه.
وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن مُحَيْصِن.
"أَبِي لَهبٍ" بإسكان الهاء.
ولم يختلفوا في "ذَاتَ لَهَبٍ" أنها مفتوحة ؛ لأنهم راعَوْا فيها رؤوس الآي.
الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب ما هو كائن ؛ وكان فيما كتب ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾.
وقال منصور : سُئِلَ الحسن عن قوله تعالى :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾ هل كان في أم الكتاب؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يَصْلَى النار؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألاّ يصلاها، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يُخْلَق أبو لهب وأبواه.
ويؤيده قول موسى لآدم :
أنت الذي خلقَكَ اللَّهُ بيده، ونفخ فيك من رُوحه، وأسكنك جَنَّته، وأسْجَدَ لك ملائكته، خَيَّبْتَ الناس، وأَخْرجتهم من الجنة.
قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه، وأعطاك التوراة، تَلُومني على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلق الله السموات والأرض.
قال النبيّ ﷺ :" فحجَّ آدمُ مُوسَى "، وقد تقدّم هذا.


الصفحة التالية
Icon