وقد أورد بعض المفسرين سؤالاً في هذه الآية، وهو لماذا قدم نفي الولد على نفي الولادة؟ مع أن الأصل في المشاهد أن يولد ثم يلد؟
وأجاب بأنه من تقديم الأهم لأنه رد على النصارى في قولهم : عيسى ابن الله، وعلى اليهود في قولهم : عزيز ابن الله، وعلى قول المشركين : الملائكة بنات الله، ولأنه لم يدع أحد أنه سبحانه مولود لأحد، فكانت دعواهم الولد لله فرية عظمى. اه.
كما قال تعالى :﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ﴾ [ الكهف : ٥ ].
وقوله :﴿ وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً ﴾ [ مريم : ٨٨-٩١ ].
فلشفاعة هذه القرية قدم ذكرها، ثم الرد على عدم إمكانها بقوله :﴿ وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً ﴾ [ مريم : ٩٢-٩٣ ].
وقد قدمنا دليل المنع عقلاً ونقلاً.
وهنا سؤال أيضاً، وهو إذا كان ادعاء الولد قد وقع، وجاء الرد عليه : فإن ادعاء الولادة لم يقع، فلماذا ذكر نفيه مع عدم ادعائه؟
والجواب والله تعالى أعلم : أن من جوّر الولادة له وأن يكون له ولد، فقد يجوز الولادة عليه، وأن يكون مولوداً فجاء نفيها تتمة للنفي والتنزيه، كما في حديث البحر، كان السؤال عن الوضوء من مائة فقط، فجاء الجواب عن مائة وميتته، لأن ما احتمل السؤال في مائة يحتمل الاشتباه في ميتته. والله تعالى أعلم.
﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) ﴾
وقالوا : كفؤا وكفواً وكفاء، بمعنى واحد، وهو المثل.
وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى الآية، وكلها تدور على معنى نفي المماثلة.
فعن كعب وعطاء : لم يكن له مثل ولا عديل.
وروى ابن جرير عن ابن عباس : أنه بمعنى ليس كمثله شيء.