فينقطع التعلق عما سوى الله بمحض الاتباع والبعد عن الابتداع بمقتضى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ [ آل عمران : ٣١ ] وقد بطل بالأمر بالاستعاذة قول الجبرية : إنا كالآلة لا فعل لنا أصلاً، وإنما نحن كالحجر لا يتحرك إلا بمحرك، لأنه لو كان هو المحرك لنا بغير اختيار لم يكن للأمر فائدة، وقول القدرية : إنا نخلق أفعالنا، وقول الفلاسفة : إنه - إذا وجد السبب والمسبب حصل التأثير من غير احتياج إلى ربط إلهي كالنار والحطب، لأنه لو كان ذلك لكانت هذه الأفعال المسببات إذا وجدت من فاعليها الذين هم الأسباب، أو الأفعال التي هي الأسباب، والمسببات التي هي الأبدان المراد تأثيرها أثرت ولم تنفع الاستعاذة، والشاهد خلافه، وثبت قول الأشاعرة أهل السنة والجماعة أنه إذا وجد السبب والمسبب توقف وجود الأثر على إيجاد الله تعالى، فإن أنفذ السبب وجد الأثر، وإن لم ينفذه لم يوجد، والسورتان معلمتان بأن البلايا كثيرة وهو قادر على دفعها، فهما حاملتان على الخوف والرجاء، وذلك هو لباب العبودية، وسبب نزول المعوذتين على ما نقل الواحدي عن المفسرين رحمة الله عليهم أجمعين والبغوي عن ابن عباس وعائشة ـ رضى الله عنه ـ م " أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي ـ ﷺ ـ فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذه مشاطة رأس النبي ـ ﷺ ـ وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي، فمرض رسول الله ـ ﷺ ـ وانتشر شعر رأسه، ويرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، يذوب ولا يدري ما عراه، فبينا هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل؟ قال : طب، قال : وما طب؟ قال : سحر، قال : ومن سحره؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي، قال : وبما طبه؟ قال : بمشط ومشاطة، قال : وأين