وقال ابن الجوزى :
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس ﴾
فإن قيل : لم خص الناس هاهنا بأنه ربُّهم، وهو ربُّ كل شيء؟
فعنه جوابان.
أحدهما : لأنهم معظَّمون متميزون على غيرهم.
والثاني : لأنه لما أمر بالاستعاذة من شَرِّهم أعلم أنه ربهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم.
ولما كان في الناس ملوك قال تعالى :﴿ ملك الناس ﴾ ولما كان فيهم من يعبد غيره قال تعالى :﴿ إله الناس ﴾.
و﴿ الوسواس ﴾ الشيطان، وهو ﴿ الخناس ﴾ يوسوس في الصدور، فإذا ذُكِرَ اللهُ، خَنَس، أي : كفَّ وأَقصر.
قال الزجاج : الوسواس هنا : ذو الوسواس.
وقال ابن قتيبة : الصدور هاهنا : القلوب.
قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل، وسوس، فإذا ذَكَرَ الله، خَنَسَ.
قوله تعالى :﴿ من الجِنَّة والناس ﴾ الجِنَّة : الجن.
ومن معنى الآية قولان.
أحدهما : يوسوس في صدور الناس جِنَّتهم وناسهم، فسمى الجن هاهنا ناساً، كما سمَّاهم رجالاً في قوله تعالى ﴿ يعوذُون برجال من الجن ﴾ [ الجن : ٦ ] وسماهم نفراً بقوله تعالى :﴿ استَمَعَ نفر من الجن ﴾ [ الجن : ١ ] هذا قول الفراء.
وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوساً للجن، كما يوسوس للإنس.
والثاني : أن الوسواس : الذي يوسوس في صدور الناس، هو من الجِنَّة، وهم من الجن.
والمعنى : من شر الوسواس الذي هو من الجن.
ثم عطف قوله تعالى :"والناس" على "الوسواس".
والمعنى : من شر الوسواس، ومن شر الناس، كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس، هذا قول الزجاج. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٩ صـ ٢٧٧ ـ ٢٧٩﴾