وقال الخازن :
قوله :﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾
إنما خصص الناس بالذّكر، وإن كان رب جميع المحدثات لأنه لما أمر بالاستعاذة من شر الوسواس، فكأنه قال أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم فإنه هو الذي يعيذهم من شرهم، وقيل إن أشرف المخلوقات هم الناس، فلهذا خصهم بالذكر.
﴿ ملك الناس إله النّاس ﴾ إنما وصف نفسه أولاً : بأنه رب الناس، لأن الرب قد يكون ملكاً، وقد لا يكون ملكاً فنبه بذلك على أنه ربهم، وملكهم ثم إن الملك لا يكون إلهاً، فنبه بقوله ﴿ إله الناس ﴾ على أن الإلهية خاصة بالله سبحانه، وتعالى لا يشاركه فيها أحد، والسبب في تكرير لفظ الناس يقتضي مزيد شرفهم على غيرهم ﴿ من شر الوسواس ﴾ يعني الشّيطان ذا الوسواس، والوسوسة الهمز، والصوت الخفي.
﴿ الخناس ﴾ يعني الرجاع من الذي عادته أن يخنس أي يتأخر.
قيل إن الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا غفل وسها وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان عنه، وتأخر وقال قتادة الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب وقيل كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويجذبه، فإذا ذكر الله تعالى خنس وإذا لم يذكر الله تعالى رجع، ووضع رأسه على القلب فذلك قوله تعالى :﴿ الذي يوسوس في صدور الناس ﴾ يعني بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع، والمراد بالصدر القلب ﴿ من الجنة ﴾ يعني الجن ﴿ والناس ﴾ وفي معنى الآية وجهان :
أحدهما : أن الناس لفظ مشترك بين الجن والإنس، ويدل عليه قول بعض العرب جاء قوم من الجن، فقيل من أنتم قالوا أناس من الجن، وقد سماهم الله تعالى رجالاً في قوله ﴿ يعوذون برجال من الجن ﴾ فعلى هذا يكون معنى الآية ؛ أن الوسواس الخناس يوسوس للجن كما يوسوس للإنس.


الصفحة التالية
Icon