قلنا إن الكائن في الدار إذا علم أن له في المستقبل خروجاً عنها فغير ممتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل حالاً بعد حال، وإن كان كائناً فيها في الحال، لأن حال كونه فيها غير الحالة التي أمر أن يدخلها، فإذا كان في الوقت الثاني قد يخرج عنها صح أن يؤمر بدخولها، ومعلوم أن المؤمنين قد يخرجون عن خصال الإيمان بالنوم والسهو وغيرهما من الأحوال فلا يمتنع أن يأمرهم الله تعالى بالدخول في المستقبل في الإسلام وخامسها : أن يكون السلم المذكور في الآية معناه الصلح وترك المحاربة والمنازعة، والتقدير : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة أي كونوا موافقين ومجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس، وهو كقوله :﴿وَلاَ تنازعوا فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ ﴿الأنفال : ٤٦ ] وقال تعالى :{الحساب يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ اصبروا﴾ ﴿آل عمران : ٢٠٠ ] وقال :{واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ ﴿آل عمران : ١٠٣ ] وقال عليه الصلاة والسلام :" المؤمن يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه " وهذه الوجوه في التأويل ذكرها جمهور المفسرين وعندي فيه وجوه أخر أحدها : أن قوله :{يا أيها الذين آمنوا﴾ إشارة إلى المعرفة والتصديق بالقلب وقوله :﴿ادخلوا فِي السلم كَافَّةً﴾ إشارة إلى ترك الذنوب والمعاصي، وذلك لأن المعصية مخالفة لله ولرسوله، فيصح أن يسمي تركها بالسلم، أو يكون المراد منه : كونوا منقادين لله في الإتيان بالطاعات، وترك المحظورات، وذلك لأن مذهبنا أن الإيمان باق مع الاشتغال بالمعاصي وهذا تأويل ظاهر وثانيها : أن يكون المراد من السلم كون العبد راضياً ولم يضطرب قلبه على ما روي في الحديث " الرضا بالقضاء باب الله الأعظم" وثالثها : أن يكون المراد ترك الانتقام كما في قوله :{وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ


الصفحة التالية
Icon