إن الحق سبحانه وتعالى يريد بدعوتنا إلى دخول الإسلام أن يعصم الناس من فتنة اختلاف أهوائهم فخفف ورفع عن خلقه ما يمكن أن يختلفوا فيه، وتركهم أحراراً في أن يزاولوا مهمة استنباط أسرار الله في وجوده بالعلم التجريبي كما يحبون، فإن أرادوا قيا فليعملوا عقولهم المخلوقة لله ؛ في الكون المخلوق لله، بالطاقة المخلوقة لله ؛ ليسعدوا أنفسهم ويدفعوها إلى الرقي، وإن انتهى أحد منهم إلى قضية كونية، واكتشف سراً من الأسرار في الكون فهو لن يقدم للناس جديداً في المنهج، وسيأخذ الناس هذا الجديد ولا يعارضونه.
إذن فمن الممكن أن يستنبط العلماء بعضاً من أسرار قضايا الكون المادية بوساطة العلم التجريبي، وهي أمور سيتفق عليها الناس، ولكن البشر يمكن أن يختلفوا في الأمور النابعة من أهوائهم ؛ لأن لكل واحد هوى، وكل واحد يريد أن يتبع هواه ولا يتبع هوى الآخرين، والحق سبحانه يريد أن يعصمنا من الأهواء لذلك قال لنا :" ادخلوا في السلم كافة" أي ادخلوا في كل صور الإسلام، حتى لا يأتي تناقض الأهواء في المجتمع.
وكن أيها المؤمن في سلم مع نفسك فلا يتناقض لسانك مع ما في قلبك، فلا تكن مؤمن اللسان كافر القلب. كن منسجما مع نفسك حتى لا تعاني من صراع الملكات. وأيضا كن داخلا في السلام مع الكون الذي تعيش فيه، مع السماء، مع الأرض، مع الحيوان، مع النبات. كن في سلم مع كل تلك المخلوقات لأنها مخلوقة مسخرة طائعة لله، فلا تشذ أنت لتغضبها وتحفظها عليك.


الصفحة التالية
Icon