والزلة هي المعصية، وهي مأخوذة من " زال"، وزال الشيء أي خرج عن استقامته، فكأن كل شيء له استقامة، والخروج عنه يعتبر زللا، والزلل : هو الذنوب والمعاصي التي تخالف بها المنهج المستقيم. " من بعد ما جاءتكم البينات" إنه سبحانه يوضح لنا أنه لا عذر لكم مطلقا في أن تزلوا ؛ لأنني بينت لكم كل شيء، ولم أترككم إلى عقولكم، ومن المنطقي أن تستعملوا عقولكم استعمالا صحيحا لتديروا حركة الكون الذي استخلفتكم فيه، ومع ذلك، إن أصابتكم الغفلة فأنا أرس الرسل. ولذلك قال سبحانه :
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
(من الآية ١٥ سورة الإسراء)
لقد رحم الله الخلق بإرسال الرسل ليبينوا للإنسان الطريق الصحيح من الطريق المعوج. والحق سبحانه وتعالى يترك بعض الأشياء للبشر ليأتوا بفكر من عندهم ثم يرتضي الإسلام ما جاءوا به ليعلمنا أن العقل إذا ما كان طبيعيا ومنطقيا فهو قادر على أن يهتدي إلى الحكم بذاته. وفي تاريخ الإسلام نجد أن سيدنا عمر قد رأى أشياء واقترح بعضا من الاقتراحات، ووافق عليها الرسول ﷺ، ثم ينزل القرآن على وفق ما قاله عمر، وقد يتساءل أحد قائلا : ألم يكن النبي ﷺ أولى ؟
نقول : لو كانت تلك الآراء قد جاءت من النبي ﷺ لما كان فيها غرابة ؛ لأن النبي ﷺ معصوم ويوحي إليه، لكن الله يريد أن يقول لنا : أن العقل الفطري عندما يصفو فهو يستطيع أن يهتدي للحكم الصحيح، وإن لم يكن هناك حكم قد نزل من السماء. ولذلك تستفز أحكام سيدنا عمر عدداً كبيراً من المستشرقين ويقولون : أليس عندكم سوى عمر ؟ لماذا لا تقولون محمدا ؟