نقول لهم : لقد تربى عمر في مدرسة النبي ﷺ، فما يقوله هو، إنما قد أخذه عن النبي ﷺ، وقد أقر عمر بذلك وقال :" ما عمر لولا الإسلام"، ونحن نستشهد بعمر لأنه بشر وليس رسولاً، ويسري عليه ما يسري على البشر، فلا يوحي إليه ولم يكن معصوما. إذن كأن الحق أراد أن يقرب لنا القدرة على الاستنباط والفهم فنكون جميعا عمر ؛ لأن عمر بالفطرة كان يهتدي إلى الصواب، ويقول لرسول الله ﷺ :" نفعل كذا"، فينزل الوحي موافقا لرأيه، فكأن الله لم يكلفنا شططا، إنما جاء تكليفه ليحمي العقول من أهواء النفس التي تطمس العقول، فآفة الرأي الهوى، ولولا وجود الأهواء لكانت الآراء كلها متفقة.
وقديما أعطوا لنا مثلا بالمرأة التي جمعت الصيف والشتاء في ليلة واحدة، فقد زوجت ابنها وابنتها، وعاش الأربعة معها في حجرة واحدة، ابنها معه زوجته، وابنتها معها زوجها، والمرأة معهم، تنام نوما قليلا وتذهب لابنتها توصيها :" دفئي زوجك وأرضيه" فالجو بارد، وتذهب لابنها وتقول :" ابعد عن زوجتك فالدنيا حر". إن المكان واحد، والليل واحد، لكن المرأة جعلته صيفاً وشتاء في وقت واحد والسبب هو هوى النفس. والله ـ سبحانه ـ يبين لنا ذلك في قوله :
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ
(من الآية ٧١ سورة المؤمنون)


الصفحة التالية
Icon