قال أبو مسلم : إنه تعالى قد ملّك كل أحد في دار الاختبار والبلوى أموراً، امتحاناً، فإذا انقضى أمر هذه الدار ووصلنا إلى دار الثواب والعقاب كان الأمر كله لله وحده. وإذا كان كذلك فهو أهل أن يُتقى ويطاع ويدخل في السلم - كما أمر - ويحترز عن خطوات الشيطان كما نهى.
وقد قرئ في السبع ترجع بضم التاء بمعنى تُرد، وبفتحها بمعنى تصير، كقوله تعالى :﴿ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ﴾ [ الشورى : ٥٣ ].
قال القفال : والمعنى في القراءتين متقارب، لأنها ترجع إليه تعالى، وهو سبحانه يرجعها إلى نفسه بإفناء الدنيا وإقامة القيامة.
تنبيهان :
الأول : لهذه الآية أشباه ونظائر تدل على أن هذا الوعيد أخروي.
ولذا قال ابن كثير في معنى الآية : يقول تعالى مهدداً للكافرين بمحمد صلوات الله وسلامه عليه :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمام وَالْمَلائِكَةُ ﴾ يعني : يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزى كل عامل بعمله : إن خيراً فخير، وإن شراً فشر... ! ولهذا قال تعالى :﴿ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾.
كما قال تعالى :﴿ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [ الفجر : ٢١ - ٢٣ ].
وقال :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٨ ] الآية.
الثاني : وصفه تعالى نفسه بالإتيان في ظلل من الغمام كوصفه بالمجيء في آيات آخر ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه، أو صحّ عن رسول الله ﷺ. والقول في جميع ذلك من جنس واحد.