وفي هذه الآيات من علم البديع : الطباق، وهو ذكر الشيء وضده في " تَعَجَّل وتَأَخَّرَ "، فهو كقوله :﴿ أَضْحَكَ وأبكى ﴾ [ النجم : ٤٣ ] و﴿ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ [ النجم : ٤٤ ]، وهذا طباقٌ غريب، من حيث جعل ضدَّ " تَعَجَّلَ " :" تَأَخَّرَ "، وإنما ضدُّ " تَعَجَّلَ " :" تَأَنَّى "، وضدُّ " تَأَخَّرَ " :" تقدَّم "، ولكنه في " تَعَجَّلَ " عبرَّ بالملزوم عن اللازم، وفي " تَأَخَّرَ " باللازم عن الملزوم، وفيها من علم البيان : المقابلة اللفظيَّة، وذلك أن المتأخِّر بالنَّفرات آتٍ بزيادة في العبادة، فله زيادة في الأجر على المتعجِّل، فقال في حقه أيضاً :" فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ " ؛ ليقابل قوله أولاً :﴿ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾، فهو كقوله :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] ﴿ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ].

فصل


وقرأ الجمهور " فَلاَ إِثْمَ " بقطع الهمزة على الأصل، وقرأ سالم بن عبد الله :" فَلاَ اثْمَ " بوصلها وحذلف ألف لا، ووجهه أنه خفَّف الهمزة بين بين فقربت من الساكن، فحذفها ؛ تشبيهاً بالألف، فالتقى ساكنان : ألف " لاَ " وثاء " إِثْم "، فحذفت ألف " لاَ "، لالتقاء الساكنين، وقال أبو البقاء - رحمه الله تعالى - :" ووجهُها أنَّه لمَّا خَلَطَ الاسْمَ بـ " لاَ " حَذَفَ الهمزة ؛ تشبيهاً بالألف " يعني أنه لمَّا ركِّبت " لاَ " ن مع اسمها، صارا كالشيء الواحد، والهمزة شبيهة الألف، فكأنه اجتمع ألفان، فحذفت الثانية لذلك، ثم حذفت الألف لسكونها وسكون الثَّاء.
قوله تعالى :" مَنْ يُعْجِبُكَ " : يجوز في " مَنْ " أن تكون موصولة، وأن تكون نكرةً موصوفةً، وقد تقدَّم نظيرها، والإعجاب : استحسان الشيء، والميل إليه، والتعظيم له، والهمزة فيه للتعدِّي.


الصفحة التالية
Icon