قوله تعالى :﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ﴾ لفظ عام لجميع العامة، وإن كان المشار إليه بني إسرائيل ؛ لكونهم بدّلوا ما في كتبهم وجحدوا أمر محمد ـ ﷺ ـ ؛ فاللفظ منسحب على كل مبدّل نعمة الله تعالى. وقال الطبريّ : النعمة هنا الإسلام ؛ وهذا قريب من الأوّل. ويدخل في اللفظ أيضاً كفّار قريش ؛ فإن بعث محمد ـ ﷺ ـ فيهم نعمة عليهم ؛ فبدّلوا قبولها والشكر عليها كفراً. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٨﴾
قال ابن عاشور :
وقوله :﴿ومن يبدل نعمة الله﴾ تذييل لجملة ﴿سل بني إسرائيل كم آتيناهم﴾ الخ، أفاد أن المقصود أولاً من هذا الوعيدِ هم بنو إسرائيل المتحدث عنهم بقوله :﴿سل بني إسرائيل﴾، وأفاد أن بني إسرائيل قد بدَّلوا نعمة الله تعالى فدل ذلك على أن الآيات التي أوتيها بنو إسرائيل هي نعم عليهم وإلاَّ لما كان لتذييل خبرهم بحكم من يبدِّل نعم الله مناسبة وهذا مما يقصده البلغاء، فيغني مثلُه في الكلام عن ذكر جمل كثيرة إيجازاً بديعاً من إيجاز الحذف وإيجاز القصر معاً ؛ لأنه يفيد مفاد أن يقال كم آتيناهم من آية بينة هي نعمة عليهم فلم يقدروها حق قدرها، فبدلوا نعمة الله بضدها بعد ظهورها فاستحقوا العقاب، لأن من يبدِّل نعمة الله فالله معاقبه، ولأنه يفيد بهذا العموم حكماً جامعاً يشمل المقصودين وغيرَهم ممن يشبههم ولذلك يكون ذكر مثل هذا الكلام الجامع بعد حكم جزئي تقدمه في الأصل تعريضاً يشبه التصريح، ونظيره أن يحدثك أحد بحديث فتقول فعل الله بالكاذبين كذا وكذا تريد أنه قد كذب فيما حدثك وإلاّ لما كان لذلك الدعاء عند سماع ذلك الحديث موقع. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٩١﴾
قال ابن الجوزى :
وفي معنى تبديلها ثلاثة أقوال. أحدها : أنه الكفر بها، قاله أبو العالية ومجاهد.
والثاني : تغيير صفة النبي ـ ﷺ ـ في التوراة. قاله أبو سليمان الدمشقي.