ولا يقال : إن البشارة والنذارة إنما يكونان بالأمر والنهي، وهما إنما يستفادان من إنزال الكتب فَلِمَ قدما على الإنزال مع أنهما ناشئان عنه ؟ لأنه ذلك لا يلزم، لأن البشارة والنذارة قد يكونان ناشئين عن غير الكتب من وحي الله لنبيه دون أن يكون ذلك كتاباً يتلى ويكتب، ولو سلم ذلك لكان تقديمهما هو الأولى لأنهما حالان من النبيين. فناسب اتصالهما بهم، وإن كانا ناشئين عن إنزال الكتب.
وقال القاضي : الوعد والوعيد من الأنبياء عليهم السلام قبل بيان الشرع ممكن فيما يتصل بالعقليات من معرفة الله تعالى، وترك الظلم وغيرهما، انتهى كلامه.
وما ذكر لا يظهر، لأن الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب ليسا مما يقضي بهما العقل وحده على جهة الوجوب، وإنما ذلك على سبيل الجواز، ثم أتى الشرع بهما، فصار ذلك الجائز في العقل واجباً بالشرع، وما كان بجهة الإمكان العقلي لا يتصف به النبي على سبيل الوجوب إلاَّ بعد الوحي قطعاً، فإذن يتقدّم الوحي بالوعد والوعيد على ظهور البشارة والنذارة ممن أوحى إليه قطفاً.
قال القاضي : وظاهر الآية يدل على أنه لا نبي إلاَّ ومعه كتاب منزل فيه بيان الحق، طال ذلك الكتاب أو قصر، دوّن أو لم يدوّن، كان معجزاً أو لم يكن، لأن كون الكتاب منزلاً معهم لا يقضي شيئاً من ذلك. انتهى كلامه.
ويحتمل أن يكون التجّوز في : أنزل، فيكون بمعنى : جعل، كقوله :﴿وأنزلنا الحديد﴾ ولما كان الإنزال الكثير منهم نسب إلى الجميع، ويحتمل أن يكون التجوّز في الكتاب، فيكون بمعنى الموحى به، ولما كان كثيراً مما أوحى به بكتب، أطلق على الجميع الكتاب تسمية للمجموع باسم كثير من أجزائه. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ١٤٤﴾
سؤال : لم عبر عن الإنزال بالإيتاء ؟


الصفحة التالية
Icon