عبر عن الإنزال بالإيتاء للتنبيه من أول الأمر على كمال تمكنهم من الوقوف على ما فيه من الحق فإن الإنزال لا يفيد ذلك، وقيل : عبر به ليختص الموصول بأرباب العلم والدراسة من أولئك المختلفين، وخصهم بالذكر لمزيد شناعة فعلهم ولأن غيرهم تبع لهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢ صـ ١٠٢﴾
قوله تعالى :﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس ﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس﴾ فاعلم أنه قوله :﴿لِيَحْكُمَ﴾ فعل فلا بد من استناده إلى شيء تقدم ذكره، وقد تقدم ذكر أمور ثلاثة، فأقربها إلى هذا اللفظ : الكتاب، ثم النبيون، ثم الله فلا جرم كان إضمار كل واحد منها صحيحاً، فيكون المعنى : ليحكم الله، أو النبي المنزل عليه، أو الكتاب، ثم إن كل واحد من هذه الاحتمالات يختص بوجه ترجيح، أما الكتاب فلأنه أقرب المذكورات، وأما الله فلأنه سبحانه هو الحاكم في الحقيقة لا الكتاب، وأما النبي فلأنه هو المظهر فلا يبعد أن يقال : حمله على الكتاب أولى، أقصى ما في الباب أن يقال : الحاكم هو الله، فإسناد الحكم إلى الكتاب مجاز إلا أن نقول : هذا المجاز يحسن تحمله لوجهين الأول : أنه مجاز مشهور يقال : حكم الكتاب بكذا، وقضى كتاب الله بكذا، ورضينا بكتاب الله، وإذا جاز أن يكون هدى وشفاء، جاز أن يكون حاكماً قال تعالى :﴿إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ المؤمنين﴾ ﴿الإسراء : ٩ ] والثاني : أنه يفيد تفخيم شأن القرآن وتعظيم حاله.
أهـ {مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٤﴾

وقال ابن عاشور :
والضمير في ﴿ليحكم﴾ راجع إلى الكتاب فإسناد الحكم إلى الكتاب مجاز عقلي، لأنه مبين ما به الحكم، أو فعل يحكم مجاز في البيان. ويجوز رجوع الضمير إلى اسم الجلالة أي أنزل الله الكتاب ليحكم بينهم إسناد الحكم مجاز عقلي، لأنه المسبب له والأمر بالقضاء به، وتعدية ( يحكم ) ببين لأنه لم يعين فيه محكوم له أو عليه.


الصفحة التالية
Icon