وقوله :﴿من بعد ما جاءتهم البينات﴾ متعلق باختلف، والبينات جمع بينة وهي الحجة والدليل. والمراد بالبينات هنا الدلائل التي من شأنها الصدّ عن الاختلاف في مقاصد الشريعة، وهي النصوص التي لا تحتمل غير مدلولاتها أعني قواطع الشريعة، والظواهر المتعاضدة التي التحقت بالقواطع. والظواهر التي لم يدع داع إلى تأويلها ولا عارضها معارض. والظواهر المتعارضة التي دل تعارضها على أن محمل كل منها على حالة لا تعارض حالة محمل الآخر وهو المعبر عنه في الأصول بالجمع بين الأدلة وتواريخ التشريع الدالة على نسخ حكم حكماً آخر، أو ما يقوم مقام التاريخ من نحو هذا ناسخ، أو كان الحكم كذا فصار كذا، فهذه بينات مانعة من الاختلاف لو كان غرض الأمم اتباع الحق ومجىء البينات بلوغ ما يدل عليها وظهور المراد منها.
والبعدية هنا : بعدية اعتبار لم يقصد منها تأخر زمان الاختلاف عن مجيء البينات، وإن كان هو كذلك في نفس الأمر، أي إن الخلاف كان في حالة تقررت فيها دلائل الحق في نفوس المختلفين. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣١٠﴾
قوله تعالى :﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
قال الآلوسى :
وقوله تعالى :﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ متعلق بما تعلق به ﴿مِنْ﴾ والبغي الظلم أو الحسد، و﴿ بَيْنَهُمْ﴾ متعلق بمحذوف صفة ﴿بَغِيّاً﴾ وفيه إشارة على ما أرى إلى أنّ هذا البغي قد باض وفرخ عندهم، فهو يحوم عليهم ويدور بينهم لا طمع له في غيرهم، ولا ملجأ له سواهم، وفيه إيذان بتمكنهم في ذلك وبلوغهم الغاية القصوى فيه وهو فائدة التوصيف بالظرف وقيل : أشار بذلك إلى أنّ البغي أمر مشترك بينهم وأنّ كلهم سفل، ومنشأ ذلك مزيد حرصهم في الدنيا وتكالبهم عليها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢ صـ ١٠٢﴾
وقال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ فالمعنى أن الدلائل إما سمعية وإما عقلية.


الصفحة التالية
Icon