وإلى ذلك يشير تعالى بقوله :" وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا " يونس - ١٩، وقوله تعالى :" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " هود - ١١٩، وقوله تعالى في الآية المبحوث عنها :" ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " الآية.
وهذا الاختلاف كما عرفت ضروري الوقوع بين أفراد المجتمعين من الإنسان لاختلاف الخلقة باختلاف المواد، وإن كان الجميع إنسانا بحسب الصورة الإنسانية الواحدة، والوحدة في الصورة تقتضي الوحدة من حيث الأفكار والأفعال بوجه، واختلاف المواد يؤدي إلى اختلاف الإحساسات والإدراكات والأحوال في عين أنها متحدة بنحو، أو اختلافها يؤدي إلى اختلاف الأغراض والمقاصد والآمال، واختلافها يؤدي إلى اختلاف الافعال، وهو المؤدي إلى اختلال نظام الاجتماع.
وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل قوانين كلية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كل ذي حق حقه، وتحميلها الناس.
والطريق المتخذ اليوم لتحميل القوانين المصلحة لاجتماع الإنسان أحد طريقين
الأول : إلجاء الاجتماع على طاعة القوانين الموضوعة لتشريك الناس في حق الحياة وتسويتهم في الحقوق، بمعنى أن ينال كل من الأفراد ما يليق به من كمال الحياة، مع إلغاء المعارف الدينية، من التوحيد والأخلاق الفاضلة، وذلك بجعل التوحيد ملغى غير منظور إليه ولا مرعي، وجعل الأخلاق تابعة للاجتماع وتحوله، فما وافق حال الاجتماع من الأخلاق فهو الخلق الفاضل، فيوما العفة، ويوما الخلاعة، ويوما الصدق، ويوما الكذب، ويوما الأمانة، ويوما الخيانة، وهكذا.
والثاني : إلجاء الاجتماع على طاعة القوانين بتربية ما يناسبها من الأخلاق واحترامها مع إلغاء المعارف الدينية في التربية الاجتماعية.
وهذان طريقان مسلوكان في رفع الاختلافات الاجتماعية وتوحيد الأمة المجتمعة من الإنسان :
أحدهما بالقوة المجبرة والقدرة المتسلطة من الإنسان فقط،