وهذا نقل بعضهم، ونقل ابن مالكٍ، أنَّ المبتدأ إذا كان لفظ " كُلٍّ "، أو ما أشبهها في الافتقار والعموم جاز حذف عائده المنصوب اتفاقاً من البصريِّين والكوفيِّين، ومنه :﴿ وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى ﴾ [ النساء : ٩٥ ] في قراءة نافعٍ، وإذا كان المبتدأ غير ذلك، فالكوفيُّون يمنعون ذلك لا في السِّعة، والبصريُّون يجيزونه بضعفٍ، ومنه :﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ [ المائدة : ٥٠ ] برفع " حُكْم ".
فقد حصل أنَّ الذي أجازه ابن عطية ممنوعٌ عند الكوفيين، ضعيف عند البصريين.
وهل " كَمْ " هذه استفهامية، أو خبرية ؟ الظاهر الأول، وأجاز الزمخشريُّ فيها الوجهين، ومنعه أبو حيَّان من حيث إن " كَمْ " الخبرية مستقلة بنفسها، غير متعلقةٍ بالسؤال، فتكون مفلتةً ممّا قبلها، والمعنى يؤدي إلى انصباب السؤال عليها، وأيضاً فيحتاج إلى حذف المفعول الثاني للسؤال، تقديره : سل بني إسرائيل عن الآيات التي آتيناهم، ثم قال : كثيراً من الآيات التي آتيناهم، والاستفهامية لا تحتاج إلى ذلك.
و" مِنْ آيةٍ " فيه وجهان :
أحدهما : أنها مفعول ثان على القول بأنَّ " كَمْ " منصوبةٌ على الاشتغال ؛ كما تقدَّم، ويكون ممِّيز " كَمْ " محذوفاً، و" مِن " زائدةٌ في المفعول ؛ لأنَّ الكلام غير موجب، إذ هو استفهامٌ، وهذا إذا قلنا إنَّ " كَمْ " استفهامية لا خبريةٌ ؛ إذ الكلام مع الخبرية إيجابٌ، و" مِنْ " لا تزاد في الواجب إلاَّ على رأي الأخفش، والكوفيِّين، بخلاف ما إذا كانت استفهامية.
قال أبو حيَّان : فيمكن أن يجوز ذلك فيه لانسحاب الاستفهام على ما بعده وفيه بعدٌ، لأنَّ متعلَّق الاستفهام هو المفعول الأول لا الثاني، فلو قلت :" كَمْ مِنْ دِرْهمٍ أعطيته مِنْ رَجلٍ " على زيادة " مِنْ " في " رَجُلٍ " لكان فيه نظرٌ " انتهى.