قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما كان الاستسخار بذوي الأقدار مراً وللنفوس مضراً قال تعالى مبشراً بانقلاب الأمر في دار الخلد مرغباً في التقوى بعد الإيمان :﴿والذين اتقوا﴾ أي آمنوا خوفاً من الله تعالى، فأخرج المنافقين والذين يمكن دخولهم في الجملة الماضية ﴿فوقهم﴾ في الرزق والرتبة والمكان بدليل ﴿أفيضوا﴾ ﴿الأعراف : ٥٠ ] وآية {إني كان لي قرين﴾ ﴿الصافات : ٥١ ] وكل أمر سار {يوم القيامة﴾ فهم يضحكون منهم جزاء بما كانوا يفعلون. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٩٣﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين ءَامَنُواْ﴾ فقد روينا في كيفية تلك السخرية وجوهاً من الروايات، قال الواحدي : قوله :﴿وَيَسْخُرُونَ﴾ مستأنف غير معطوف على زين، ولا يبعد استئناف المستقبل بعد الماضي، وذلك لأن الله أخبر عنهم بزين وهو ماض، ثم أخبر عنهم بفعل يديمونه فقال :﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين ءَامَنُواْ﴾ ومعنى هذه السخرية أنهم كانوا يقولون هؤلاء المساكين تركوا لذات الدنيا وطيباتها وشهواتها ويتحملون المشاق والمتاعب لطلب الآخرة مع أن القول بالآخرة قول باطل، ولا شك أنه لو بطل القول بالمعاد لكانت هذه السخرية لازمة أما لو ثبت القول بصحة المعاد كانت السخرية منقلبة عليهم لأن من أعرض عن الملك الأبدي بسبب لذات حقيرة في أنفاس معدودة لم يوجد في الخلق أحد أولى بالسخرية منه، بل قال بعض المحققين الإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة هو الحزم على جميع التقديرات فإنه إن بطل القول بالآخرة لم يكن الفائت إلا لذات حقيرة وأنفاساً معدودة وإن صح القول بالآخرة كان الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة أمراً متعيناً فثبت أن تلك السخرية كانت باطلة وأن عود السخرية عليهم أولى.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٧﴾
وقال ابن عاشور :


الصفحة التالية
Icon